مؤتمر المناخ “كوب 27”: هدية سياسية لنظام السيسي الدموي
مؤتمر المناخ “كوب 27”: هدية سياسية لنظام السيسي الدموي
الاستثمارات “الخضراء” في مصر لا تساهم بشيء يُذكر لصالح العمل المناخي، بل تضفي الشرعية على نظام عسكري استبدادي ورجعي.
يوظف الرئيس المصري السيسي مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ “كوب 27” للتقليل من شأن سجل نظامه الدموي في مجال حقوق الإنسان، وتقديم نفسه كرائد مزعوم في مجال انتقال الطاقة والعدالة المناخية. لكن جماعات حقوق الإنسان والنشطاء يستفيدون من الاهتمام الدولي حول المؤتمر للتنديد بالأعمال الانتقامية و “الغسيل الأخضر” الذي تمارسه الحكومة المصرية، وحث حركة المناخ على اتخاذ موقف أوضح بشأن حقوق الإنسان في البلاد. ومع ذلك، يتواصل دعم الحكومات المتحالفة مع السيسي لسياسات النظام المصري غير المستدامة مما يجعل من مؤتمر كوب 27 مجرد مسخرة.
دعونا لا نخدع أنفسنا، إن مؤتمر المناخ COP27 الذي تعقده الأمم المتحدة ودوراته السابقة ليست بأي حال من الأحوال مساحات يعمل فيها الجنوب والشمال العالمي سويا من أجل الانتقال الطاقي أو العدالة المناخية أو كيفية تمويل كليهما بشكل عادل. بل يتم تحديد جدول أعمال المؤتمر وقراراته غير الملزمة من قبل الحكومات الأقوى والشركات متعددة الجنسيات التي لا تولي اهتماما كبيرا بإحداث تغيير حقيقي ومستدام. عادة ما يتم تصوير إنتاج السيارات الكهربائية أو حظر الأكياس البلاستيكية على أنها إنجازات بارزة، لكن هذه الأخيرة لا تشكل أي تحدٍّ لأنماط الإنتاج الموجهة نحو الاستهلاك، شأنها شأن تطوير إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من قبل الشركات متعددة الجنسيات، أو استيراد الهيدروجين الأخضر من دول على غرار مصر والذي يتم الحث عليه بطريقة كولونيالية.
في مقال ممتاز نُشر على موقع مدى مصر، يشرح عمر روبرت هاملتون أن مقاربة عالمية لامركزية في مجال الانتقال الطاقي بوسعها أن توفر “فرصًا لتفجير الحدود الكولونيالية للدولة الأمة، ولتمكين المبادرات على مستوى المجتمعات”. لكن “إمكانيات المساواة” هذه لن تكون على رأس جدول أعمال مؤتمر كوب 27. يكتب هاملتون أنه عوضا عن ذلك “يصير الانتقال الطاقي فرصة للغسيل الأخضر وللتربّح، إذ تصطف الدول والشركات لتوقيع صفقات إنشاءات الطاقة مع دكتاتورية لديها فائض من الطاقة ومن السجناء السياسيين”.
ولا شك أن قمم المناخ أصبحت في السنوات الأخيرة تظاهرات سنوية كبرى تركّز اهتمام العالم بشأن آثار الاحترار العالمي وتغير المناخ. واليوم صار لهذا الاهتمام القدرة على بناء جسور سياسية، حيث أن مؤتمر كوب 27 المقرر عقده في مدينة شرم الشيخ المنتجعيّة الواقعة على الطرف الجنوبي من شبه جزيرة سيناء تحت حراسة مشدّدة، قد فتح باب الحوار بين حركات المناخ وحقوق الإنسان مثيرا بذلك استياء النظام العسكري للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
لقد كان الطريق للوصول إلى تلك النقطة مضنيا ومشحونا بالصراعات والعراقيل، وما تزال النزاعات بعيدة كل البعد عن الحلحلة. لكن لم يسبق قطّ لأي دولة استضافت إحدى دورات المؤتمر أن أدينت بهذه القوة بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان مثلما هو الحال في مصر اليوم.
صراع طويل الأمد
“مع كل الأنظار الموجهة نحو مصر، يمثل مؤتمر المناخ كوب 27 فرصة لإعلاء الأصوات بشأن عدم احترام الحكومة المصرية لحقوق الإنسان والقيود المتزايدة المفروضة على المجتمع المدني”، تقول ياسمين عمر عن منظمة “كوميتي فور جستس” (CFJ) في في بيان أصدره تحالف COP27 المصري لحقوق الإنسان (الذي تعد كوميتي فور جستس عضوا فيه)، والذي يتمثل هدفه المعلن في بناء تضامن عبر حركيّ مع الحركة الدولية لحقوق الإنسان والبيئة.
طال انتظار جماعات حقوق الإنسان والنشطاء المصريين لهذا تضامن صريح وثابت مع قضاياهم – لا فقط لأن أطيافاً واسعة من حركة المناخ تتعمّد النأي بعملها عن السياسة وتعوّل على الأموال الحكومية، أو حتى تتم استمالتها عن طيب خاطر من قبل الشركات متعددة الجنسيات الساعية لصقل علاقاتها العامة، ولكن أيضا لأسباب أمنية. إذ تعلم المنظمات البيئية غير الحكومية الناشطة في مصر علم اليقين أنها تخاطر بتهييج نقمة الدولة عليها إذا ما تحدثت علنا بشأن قضايا حقوق الإنسان في البلاد.
استجابت أطراف من حركة المناخ للانتقادات اللاذعة تجاه موقفها المتردد، وصارت تتبنى الآن مواقف أكثر وضوحا حول جرائم حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام العسكري المصري. كلّ من شبكة العمل المناخي (تحالف يضم مئات مجموعات المجتمع المدني من 130 دولة) والناشطة المناخية غريتا تونبرغ وكثير غيرها من النشطاء، عبّروا علنا -إما لأول مرة أو تجديدا لموقفهم- عن تضامنهم مع السجناء السياسيين في مصر، ودعوا إلى إطلاق سراح جميع الأشخاص المحتجزين تعسفيا في أنحاء البلاد. كما وقّع هؤلاء على عريضة لتحالف COP27 لحقوق الإنسان، تلفت النظر إلى القيود الثقيلة على حرية التعبير والتجمع وحرية الصحافة بخصوص المؤتمر، إلى جانب الدعوة إلى وضع حد للأعمال القمعية الموجهة ضد المجتمع المدني بمصر.
“غسيل أخضر للدولة البوليسية”
أدى عقد مؤتمر المناخ كوب 27 في دولة البوليس المصرية إلى خلق “أزمة أخلاقية” داخل حركة المناخ، وفق ما كتبته الصحفية نعومي كلاين في مقال رأي شديد اللهجة في مطلع شهر أكتوبر. وقبيل ذلك، وجهت سناء سيف، شقيقة الناشط البريطاني المصري علاء عبد الفتاح المسجون في مصر منذ عام 2019 والمضرب عن الطعام منذ أكثر من 200 يوم، أصابع الاتهام إلى حركة المناخ ونعتتها بالنفاق. وقالت سيف على موقع تويتر إن “التخفيف من وطأة التغير المناخي والنضال من أجل حقوق الإنسان مترابطان ولا ينبغي الفصل بينهما”، مشيرة إلى أن نظام السيسي “مدعوم من قبل شركات مثل بريتيش بتروليوم وإيني”. وتعتصم سيف حاليا في خيمة خارج وزارة الخارجية البريطانية في لندن كطريقة للتوعية بمحنة شقيقها والضغط على الحكومة البريطانية لاتخاذ إجراءات في صالحه.
قضية عبد الفتاح الذي يقبع خلف القضبان بشكل شبه متواصل منذ عام 2014 على خلفية تهم واهية ذات دوافع سياسية، تُعتبر من أهم الأمثلة على الأعمال الانتقامية التي تمارسها ديكتاتورية السيسي ضد الشخصيات المعارضة. وقد تحوّل الاهتمام الذي أثاره السجين منذ باشر إضرابه عن الطعام في أبريل/أفريل إلى كابوس علاقات عامة للنظام، حيث كشفت الظروف اللاإنسانية لاعتقاله النقاب عن محاولات النظام المصري البشعة لتبييض سجله في مجال حقوق الإنسان، وتصوير حركاته المصطنعة والمثيرة في مجال العلاقات العامة على أنها “إصلاحات”. القمة “تذهب إلى ما هو أبعد من غسيل أخضر في دولة ملوِّثة، إنها تغسل بالأخضر دولة بوليسية”، تكتب نعومي كلاين.
يهدف كل من “الحوار الوطني” وهو منتدى غير رسمي للمحادثات بين النظام وأجزاء من المعارضة أطلق في أبريل/أفريل، وعملية الإفراج عن سجناء سياسيين، إلى إعطاء انطباع بأن النظام مستعد لتقديم تنازلات. لكن الواقع أثبت أن السيسي لا يعتبر هذا الحوار المتعثر ملزما، في الوقت الذي يتجاوز فيه عدد الأشخاص المعتقلين لأسباب سياسية في الأشهر الأخيرة بكثير عدد أولئك الذين أُطلق سراحهم منذ بدء حملة الإفراج. وبالرغم من أن الآونة الأخيرة شهدت إطلاق سراح نشطاء بارزين وصحفيين وشخصيات معارضة، إلا أن خواء هذه الخطوة صارخٌ، خصوصا في ضوء أرقام تقدر عدد السجناء السياسيين في مصر القابعين حاليا خلف القضبان بنحو 65 ألف سجين سياسي.
في غضون ذلك، يجري “إصلاح” المرافق السجنية المصرية بكل ابتهاج، حيث يتم إغلاق السجون القديمة ونقل السجناء إلى “مراكز إعادة تأهيل” يفترض بأنها تقدمية. ولسائل أن يسأل عن “تقدمية” زنازين السيسي الجديدة: فإلى جانب الاستخدام المعهود لشتى أساليب التعذيب والترهيب، صار المحتجزون يخضعون للمراقبة المستمرة بالفيديو داخل الزنازين التي قد تظل مضاءةً في بعض الحالات على مدار 24 ساعة في اليوم. في سجن بدر الذي أنشئ مؤخرا بالقرب من القاهرة، لا يزال السجناء يموتون بسبب الإهمال الطبي بينما ينظم آخرون إضرابات عن الطعام احتجاجا على ظروف السجن أو منعهم من الزيارات العائلية. وبالتوازي مع كل ذلك يتواصل عنف الشرطة المتفشي مع ما يرافقه من تعذيب واعتقالات تعسفية في جميع أنحاء البلاد.
لا يوجد انفراج قبل مؤتمر المناخ
تجاوبا مع ذلك، ندد بيان صادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بـ “مناخ الخوف الذي تقع فيه منظمات المجتمع المدني المصرية في حال أرادت الانخراط بشكل صريح في مؤتمر المناخ 27″، ردا على مزاعم كبار السياسيين المصريين على غرار وزير الخارجية المصري سامح شوقي بأن السلطات ستسمح بحرية التعبير في منطقة محددة في شرم الشيخ. و وفقا لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (CIHRS)، فإن “التدابير السطحية” التي اتخذتها السلطات مؤخرا ليست أكثر من مجرد تجميل لواجهة النظام السياسية. وحذر المنظمة الحقوقية من أنه من المتوقع حدوث موجة جديدة من الأعمال الانتقامية بعد مؤتمر المناخ، مشيرة إلى التهديدات التي وُجهت للمحتجزين المفرج عنهم مؤخرا بإعادة اعتقالهم إثر المؤتمر.
لم تنخدع المنظمة غير الحكومية “مراسلون بلا حدود” هي الأخرى بحركات العلاقات العامة المصطنعة التي يخوض فيها النظام. يقول مسؤول العلاقات العامة في منظمة مراسلون بلا حدود الألمانية كريستوفر ريش في حوار مع مؤسسة روزا لوكسمبورغ أنه “سيتم إطلاق سراح بعض الصحفيين هنا وهناك، ولكننا نعتقد أنه من غير المرجح أن يكون هناك تغيير جذري فيما يخص القمع المهول الذي تقوم به الدولة ضد وسائل الإعلام”، داعيا بشكل صريح المستشار الألماني أولاف شولتس ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك إلى عدم التزام الصمت إزاء “سجل حقوق الإنسان المروع لنظام السيسي خلال زيارتهما إلى شرم الشيخ”. وتابع موضحا أن مصر تشبه سجنا مفتوحا للعاملين في مجال الإعلام، حيث يقبع حاليا 21 صحفيا خلف القضبان.
من جهته رد النظام بعصبيته المعتادة على أي تعبيرات تلمّح إلى معارضة شعبية، حيث اعتقل جهاز مباحث أمن الدولة المصري، وهو الشرطة السياسية سيئة السمعة التابعة للنظام، رجلا يبلغ من العمر 51 عاما في سبتمبر المنقضي وأخفاه قسرا لمدة أسبوعين على خلفية انضمامه المزعوم إلى مجموعة على موقع فيسبوك تدعو إلى تنظيم احتجاجات حول المؤتمر.
وتهدف الاحتياطات الأمنية المشددة في سيناء نفسها إلى منع أي عمل غير مرغوب فيه من قبل النشطاء المصريين، وضمان رقابة مشددة على التظاهرة وعلى المشاركين الوافدين إلى شبه الجزيرة. مدينة شرم الشيخ التي تتكون بشكل حصري تقريبا من الفنادق والمنتجعات السياحية هي مدينة أشبه بقلعة محصّنة للسياح الأجانب وأثرياء المصريين ومسيجة بجدار خرساني عازل.
وتحسبا لمؤتمر كوب 27، تم مزيد تشديد عمليات التفتيش الأمني للأشخاص المتنقلين على الطريقين المؤديين إلى شرم الشيخ وإغلاق المتاجر في البلدات المجاورة. ووفق ما تورده التقارير فإن تدابير المراقبة في شرم الشيخ تمادت لتشمل كاميرات مراقبة داخل سيارات الأجرة نفسها.
الجلبة الخضراء بقرة حلوب
مع حصول مصر على فرصة تنظيم مؤتمر كوب 27، انطلق نظام السيسي في تنظيم حملة ممنهجة لوسم صناعته واقتصاده والمواصلات العامة في البلاد ومشاريع التطوير العمراني على اختلافها بأنها “خضراء”، في محاولة لجذب الاستثمارات الأجنبية التي يحتاج إليها اقتصاده المتعثر أشد الحاجة. وغمر النظام في السنوات الأخيرة شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي بالدعاية التي تصور مصر على أنها رائدةٌ في السياسات الخضراء ومدافعةٌ عن الانتقال العادل في مجال الطاقة.
يتم تصوير مشاريع المواصلات العامة المدفوعة بقروض وضمانات من الدول الأوروبية، على غرار قطار القاهرة المونوريل أو شبكة القطارات فائقة السرعة التي تقوم ببنائها حاليا شركة سيمنز الألمانية، على أنها إنجازات بارزة. ولكن نظرا إلى الأسعار المرتفعة للتذاكر فمن المرجح ألا تحقق هذه المشاريع سوى مزيدا من الرفاهية للنخبة الغنية المصرية نظرا لأنها لن تنجح في تحويل حركة الركاب والبضائع فعليّا إلى السكك الحديدية.
الإعلانات الحكومية عن زراعة 100 مليون شجرة هي أيضا مضللة، حيث قُطعت عشرات الآلاف من الأشجار في المدن المصرية في السنوات الأخيرة لتمهيد توسيع الطرق أو فسح المجال للكامرات لمزيد مراقبة الأماكن العامة بشكل أفضل.
وكثيرا ما تصف الحكومة والشركات العقارية الخاصة الطفرة غير المسبوقة في مشاريع الإسكان والمدن والبنية التحتية في جميع أنحاء البلاد على أنها “خضراء”، متغاضيةً عن الأضرار البيئية والاجتماعية المنجرّة عن هذه المشاريع. وتعدّ صناعة الأسمنت التي يسيطر عليها الجيش في الغالب واحدة من أكثر الصناعات تلويثا في مصر، وهي حجر الأساس الذي يقوم عليه هوس البناء. وتوصف شرم الشيخ -التي لا يمكن النفاذ إليها سوى عبر الجو تقريبا- بأنها “مدينة خضراء“، وكذا المجتمعات المسورة في مدينة المستقبل بالقرب من القاهرة والعلمين الجديدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط وكلتاهما بُنيتا وسط الصحراء. علما أن بناء العلمين الجديدة قد زاد من تآكل السواحل في المنطقة بشكل ملحوظ و فاقم من الأضرار البيئية الناجمة عن ارتفاع مستوى سطح البحر.
أعلنت الرئاسة المصرية لمؤتمر المناخ أن شركة كوكا كولا، التي تصفها منظمة غرينبيس بأنها أكبر ملوث بلاستيكي في العالم، كراعٍ رئيسي للمؤتمر. وفي حركة تثير السخرية، عيّنت مصر في سياق كوب 27 وكالةً متخصصة في العلاقات العامة لديها “سجل مخجل في نشر المعلومات المضللة”، بل ومتهمة بالعمل على حملات الغسيل الأخضر لشركات متعددة الجنسيات ذات سمعة شائنة في مجال الطاقة على غرار إكسون موبيل، شل أو أرامكو السعودية، وفقا ما أوردته openDemocracy.
وعلى الرغم من مواصلة مصر الالتزام بهدفها الطموح المتمثل في تحويل 42 في المائة من إجمالي إنتاجها الكهربائي إلى مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2035، إلا أن البلاد تتجه نحو الإخفاق في تحقيق هدف هذا العام المحدّد بـ 20 في المائة، وفقا لتقرير صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. لكن النظام منشغل بدلا من ذلك في تحويل البلاد إلى مصدّر رئيسي للوقود الأحفوري مستندا إلى دعم الدول الأوروبية. ومنذ إنشاء حقل غاز ظَهْر العملاق في البحر الأبيض المتوسط من طرف إيني وبريتيش بتروليوم أضحت مصر مصدّرا صافيا للطاقة، مستفيدةً بشكل خاص من تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا.
بذلت مصر قصارى جهدها لتصوير نفسها على أنها مبتكر أخضر تحسّبا لـكوب 27. لكن دوافع السيسي ونظامه لا يمكن تلخيصها فقط بالحدث المرموق نفسه أو النتائج السياسية التي قد تنتجها استضافة حدث من هذا القبيل، بل يجب احتساب المصالح الاقتصادية الملموسة كذلك.
أغرقت جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا الاقتصاد المصري في أزمة حادة في علاقة بالعملة الصعبة وميزان المدفوعات نجم عنها هروب رؤوس الأموال من البلاد. فوجد النظام نفسه في حاجة ماسة لمواجهة هذه النزعة من خلال الاستثمارات والقروض والودائع الخارجية، وإحدى الوسائل المعتمدة لجذبها في أسرع وقت تتمثل في تقديم نفسه كرائد أخضر تماشيا مع الاهتمام المتزايد حول أزمة المناخ. ولكن بغض النظر عن الأسباب الكامنة وراء حملة الحكومة المصرية للغسيل الأخضر، فإن سجلها الكارثي في مجال حقوق الإنسان ومحاولاتها السطحية لتغليف سياساتها الاقتصادية “بالأخضر”، تجعل من مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في نسخته الـ 27 لا يتعدى استهزاءً صارخا تجاه العدالة المناخية وحقوق الإنسان.