خيار تونس : إفلاس في ظل الدكتاتورية أم نهوض اقتصادي وديمقراطية؟
بقلم : باسم صنيج [1] وفرانسيس غيلاس [2]
تصدّر حدث مأساوي جديد كان مسرحه البحر الأبيض المتوسط وسائل الإعلام في السابع والعشرين من مارس الفارط؛ لقد غرق قارب صغير خرع كان يقلّ مهاجرين يحاولون بلوغ الشواطئ الإيطالية قبالة الساحل التونسي بالقرب من صفاقس، ولقي أكثر من 30 منهم حتفهم. لقد كان جلّهم تقريبا مهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء عالقين في تونس. وقد موضع هذا الحدث المأساوي الاهتمام الدولي على الهجرة الجماعية المستمرة لا فقط من إفريقيا جنوب الصحراء، بل وأيضا تلك التي تتّخذ من تونس منطلقا لها؛ إذ تدفع الأزمة المتفاقمة الأفراد، بل وعائلات بطمّ طميمها، للفرار من البلاد. وتزامنا مع غرق القارب المذكور، أشارت تقارير من سلطات خفر السواحل إلى أن حوالي 3000 مهاجرا كانوا قد بلغوا الأراضي الإيطالية في الأيام الثلاث أو الأربع السّابقة.
وأفادت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكسFrontex ) في مذكرة نُشرت في بداية شهر أفريل أن ما يقرب من 12.000 مهاجرا كانوا قد عبروا وسط البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا خلال شهري جانفي وفيفري، أي بزيادة قدرها 120٪ عن نفس الفترة من العام الماضي. وتشير التوقعات للأشهر القليلة القادمة إلى ارتفاع كبير في هذه الأرقام جدّ المرتفعة أصلا.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد أصدر تصريحا رسميًا شجب فيه مؤامرة إجرامية تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية التونسية من خلال تدفق «جحافل» المهاجرين من جنوب الصحراء، وذلك قبل أكثر بقليل من شهر من وقوع المأساة الأخيرة؛ جاء البيان في ختام اجتماع لمجلس الأمن القومي ترأّسه الرئيس التونسي في 21 فيفري 2023.
لقد زرع هذا التصريح الذّعر في قلوب ما بين عشرين إلى ثلاثين ألف من المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى الذين يعيشون بتونس، رغم امتلاك الكثير منهم وثائق تخوّلهم الدراسة أو العمل بالبلاد. وفشلت تصريحات وزير الخارجية التونسي المعين حديثًا آنذاك، نبيل عمّار، في إقناع أي كان بـ «صفاء نيّة» خطاب سعيد الذي أشعل حملة عنصرية مناهضة للسود غير مسبوقة في التاريخ التونسي.
وتمّ اعتقال اثنين من كبار أعضاء حركة النهضة في 13 فيفري الفارط، وهما نور الدين البحيري وعبد الحميد الجلاصي، كما تمّ اعتقال جوهر بن مبارك، المحامي وأستاذ القانون الدستوري وأحد أبرز قادة “جبهة الخلاص الوطني”، وهو الائتلاف المعارض الأبرز لقيس سعيد. وأمّا اعتقال الشخصية البارزة الأخرى في “جبهة الخلاص”، وهي شيماء عيسى، فقد صيّرها أول سجينة سياسية في تونس ما بعد الربيع العربي [3].
أرسلت ليبيا التي مزقتها الحرب 96 شاحنة محمّلة بالأساس بالمواد الغذائية الأساسية إلى تونس عبر معبر رأس جدير جنوب شرق البلاد في 17 فيفري الماضي، وأكّد متحدث باسم السفارة الليبية في تونس أن قافلة المساعدات ستتبعها قافلات أخرى؛ جاء ذلك بعد أقل من شهرين من زيارة رئيس الوزراء الليبي المؤقت، عبد الحميد الدبيبة، لتونس العاصمة موفّى العام 2022.
ومن الظاهر أن ردود فعل الرئيس وقواته الأمنية مدفوعة بالذعر والاندفاع المتهور نحو الارتجال في مواجهة هذا الوضع سريع التّدهور؛ فأن تصير ليبيا التي مزقتها الحرب مصدرًا للمساعدات الغذائية الطارئة لشعب نجم الربيع العربي ومنارة الإصلاحات الديمقراطية، فلا بدّ أن ذلك كان شعورا مؤلما للتونسيين. لقد كانت تلك سقطة مدوّية…
وأعلن الرئيس قيس سعيد قبل أيام قليلة رفض “إملاءات” صندوق النقد الدولي في ما يتعلّق ببرنامج تمويل جديد وضئيل نسبيًا بقيمة 1.9 مليار دولار كان محلّ مفاوضات منذ أشهر. وقد أثار ذلك ضجّة إعلامية، لتبرز عناوين متعدّدة تتنبأ بتخلّف البلاد الوشيك عن سداد الديون في ظل شبه اضمحلال لاحتمالات الإنقاذ.
كنّا قد كتبنا قبل عام مضى أن التحول الديمقراطي الناجح في تونس كان، إلى حد كبير، محض سراب، فقد وقف الجمود السياسي الخانق حائلا أمام أي محاولة أو إمكانية للإصلاح، وكان أن نتج عن ذلك تدهور مطّرد للأوضاع الاقتصادية والمالية. كما أنّنا سبق وأن أشرنا إلى أن الديمقراطية المفرغة من الترقّي الاقتصادي سوف لن تكون مستدامة. لقد تمّ انتخاب قيس سعيد لأن العديد من التونسيين كانوا يأملون في أن يتمكن محاضر في الشؤون الدستورية غريب عن الساحة السياسية، زاهد، وغير فاسد، من كسر مثل ذلك الجمود. وكنا قد دلّلنا على أنه لم يعد للبلاد متّسع من الوقت، وعبّرنا عن قلقنا من تركيز الرئيس على الإصلاح الدستوري، وهو ما يؤدي إلى إغفال الحاجة الملحّة لتحوّل اقتصادي يتجاوز بكثير مجرّد إقرار حزمة من الاصلاحات البسيطة [4].
ستدرس هذه الورقة التوقعات على المدى القصير للبلاد وتناقش مخاطر تخلف تونس الوشيك عن السّداد. وسنراجع الخيارات المتبقية للرئيس، إن كانت لا تزال هناك خيارات طبعا. ماهي المبادرات التي قد تجنّب البلاد العواقب المحتملة لـ “إملاءات” برنامج التعديل المالي؟ سوف نبرهن عن أنّه، في حين أن النتيجة الإيجابية لمفاوضات صندوق النقد الدولي ممكنة، فإن الاقتصاد التونسي والعقد الاجتماعي مفلسان. وسنقترح بعض الأفكار التي يمكن أن تساعد في توجيه الاقتصاد نحو مسار أكثر استدامة وازدهارًا.
هل أنّ تخلّف تونس عن سداد الديون وشيك؟
في 20 مارس، أي قبل ثلاث أسابيع من إدانة الرئيس قيس سعيد لإملاءات صندوق النقد الدولي، حذّر الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، من خطر “انهيار” تونس الوشيك خلال مؤتمر صحفي [5]. وتشير أسواق السندات والائتمان الدولية إلى أن البلاد قد تكون بالفعل في منطقة التخلّف عن سداد الدّيون. وكانت السندات الدولية التونسية لأجل 10 سنوات بقسيمة 75،5٪ الصادرة في عام 2015، والمستحقّة في عام 2025، قد شهدت انهيار سعرها بين 48.5 و 51.5 بعد إعلان الرئيس رفض شروط صندوق النقد الدولي.
أُغْلِقَ السوق يوم الجمعة 14 أفريل بعائد 48,5٪ على هذا السند [6]؛ عادة ما تكون توقعات التخلف عن سداد الديون عالية جدّا عند هذا المستوى من تكاليف الاقتراض. لقد كانت الأسواق المالية في حالة تأهب قبل ذلك بكثير، أي قبل الفوران الأخير ضد شروط صندوق النقد الدولي؛ كانت أسعار انتشار الائتمان تضع تونس في منطقة تعثّر محتمل عن السداد في عام 2022. كما فاقت علاوة مخاطرة الائتمان لمدة 10 سنوات الخاصة بتونس 10٪ على سندات الخزانة الأمريكية، والتي تُعتبَرُ معيارا للسّوق، وذلك حسب التقارير المتعلقة بعلاوة مخاطر الدولة التي قدّمها البروفيسور في كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك [7] أسواث داموداران، ؛ تلك عتبة تشير إلى احتمال كبير للتخلف عن السّداد.
دأبت قيمة السندات بقسيمة 5,75% المستحقّة سنة 2025 على الانخفاض منذ عام 2021، وهو ما يعكس تدهورًا سريعًا للوضع المالي للبلاد منذ جائحة كوفيدـ19 والإغلاق في مارس 2020؛ بلغ العائد على هذا السند في ذلك الوقت أكثر من 15٪. وبعد ذلك بعامين، أي في منتصف جويلية 2022، بلغ نفس العائد أكثر من 35 ٪. وأفضت مفاوضات صندوق النقد الدولي التي انطلقت إثر ذلك إلى اتفاق على مستوى خبراء الصندوق [8]، وهو ما نتج عنه انتعاشة مذهلة. بيد أنّ التأخير في المفاوضات في تأكيد القرض التمويلي النهائي لصندوق النقد الدولي بقيمة 1.9 مليار دولار، والذي تلاه إعلان الرئيس عن انتهاء المفاوضات، كان قد أدّى إلى انهيار السوق، ممّا دفع بالعائد إلى ما يقرب من 50٪. وبذلك يكون حصول تونس على تمويلات بالعملة الأجنبية من الأسواق الدولية أمرا ذا تكلفة باهظة.
وتدقّ وكالات التصنيف ناقوس الخطر منذ عام 2021، مكرّرة تحذيراتها خلال سنتي 2022 و 2023؛ خفّضت وكالة موديز تصنيف تونس من مستوى سلبي للغاية بالفعل من Caa1 إلى Caa2، مع إضافة «آفاق سلبية» في نهاية يناير 2023 [9]. وتجدر الإشارة إلى أن تصنيفات Caa تشير إلى «مكانة سيئة ومخاطر ائتمانية عالية جدًا». كما خفّضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لتونس 3 مرات منذ تفشي الكوفيدـ19 في مارس 2020، وكان أحدث تخفيض في مارس 2022 [10]، حين تم تخفيض تصنيف تونس من B- مع آفاق سلبية إلى CCC، والتي تعني في مصطلحات وكالة فيتش «إمكانية حقيقية للتخلف عن سداد الدين». وقبل أيام قليلة، وبالتحديد في 29 مارس 2023، أصدرت وكالة فيتش مذكرة تؤكد تصنيف [11] CCC. يشير كل ما سبق إلى تخلف تونس عن سداد ديونها الخارجية. ويستند الإجماع في ذلك إلى الالتزامات الخارجية التي تواجهها البلاد على المدى القصير وعجزها عن مواجهتها دون التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
جدول تسديد الدين الخارجي لتونس موضع تساؤل
بلغت المدفوعات بعنوان تسديد الديون الخارجية 6,672 مليار دينار تونسي، أي ما يعادل ملياري دولار في ميزانية الدولة لسنة 2023 (قانون المالية لسنة 2023)[12]، بما في ذلك سند أوروبي بقيمة 500 مليون دولار مستحقّ في أكتوبر، و412 مليون دولار من السداد المستحق على قروض صندوق النقد الدولي السابقة. ومن المتوقع أن يصل المبلغ إلى 2,6 مليار دولار في عام 2024، بما فيه 850 مليون دولار من سندات اليورو الأوروبية (اليوروبوند) المستحقة في فبراير 2024 [13]. وفي ظلّ ارتفاع تكلفة التمويل وانخفاض سعر صرف الدينار التونسي، بلغت خدمة الدين الخارجي 2,27 مليار دينار تونسي في عام 2023، أي ما يعادل 683 مليون دولار، وذلك بزيادة تُقدّرُ بـ 28٪ عن أرقام عام 2022. ويبلغ إجمالي التمويل الخارجي اللازم لسدّ العجز القياسي المتوقع في الميزانية، والبالغ 25 مليار دينار تونسي، 14,85 مليار دينار تونسي، أو ما يعادل 4.5 مليار دولار أمريكي، ما يعكس ارتفاعا ضخما بالمقارنة بأرقام سنة 2022.
وتحدّد وثيقة قانون المالية التونسي لسنة 2023 بعض مصادر التمويل الأجنبي، على غرار قرض البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير أفريكسيم بنك (Afreximbank) والبنك الإفريقي للتنمية (ADB) اللذان تم تأمينهما في نهاية عام 2022 بمبلغ إجمالي قدره 600 مليون دولار أمريكي، وقرض من الجزائر بمبلغ إجمالي قدره 300 مليون دولار أمريكي، في حين تظلّ جميع الالتزامات الأخرى المحددة مشروطة بالتوصّل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي ؛ فحتّى وإن أخذنا بعين الاعتبار جلّ الموارد المحدّدة التي ستكون متاحة للدولة، فسيظلّ هناك عجز كبير في الميزانية يُقدَّرُ بـ 4,77 مليار دينار تونسي، أي 1.4 مليار دولار أمريكي، تحت بند «قروض أجنبية أخرى» [14]. إنّ مخاطر نقص التمويل مرتفعة للغاية. ويكون انتشار مخاطر الائتمان وأسعار الفائدة المرتفعة التي تطلبها الأسواق الدولية على القروض التونسية مبررة تمامًا حينما ننظر إلى التمويلات في قانون المالية التونسي لسنة 2023، والتمويلات السابقة منذ جائحة كوفيدـ19؛ تطالب الأسواق الدولية بسعر فائدة 50٪ على القروض الجديدة لتونس، ممّا يعني أن أبواب هذه الأسواق موصدة في وجه تونس بحكم الأمر الواقع، وهو ما يعني أيضا أن ليس لدى الحكومة والرئيس من مقصد أخر سوى صندوق النقد الدولي. يؤكّد العجز في التمويل الدولي البالغ 1.4 مليار دولار أمريكي الحاجة الملحة إلى قرض بقيمة 1.9 مليار دولار أمريكي تتسلّمه تونس من صندوق النقد الدولي. ومع ذلك، يعلن الرئيس سعيد أن شروط صندوق النقد الدولي في إطار الاتفاق على مستوى خبراء الصندوق غير مقبولة، ويقول للتونسيين أن «يجب أن تعتمدوا على أنفسكم» [15]؛ يبدو تصريح قيس سعيّد ذاك طامسا وغير مفهوم إذا ما نظرنا إلى التحديات المالية التي تواجهها البلاد.
الرئيس وحكومته إزاء خطر أسوأ من التخلف عن سداد الدين
يبدو أن مزيد تخفيض الدّعم وتشديد الرقابة على كتلة أجور الوظيفة العمومية، بما هي الشروط الأساسية لأي اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يتوفّر على مخاطر أفدح بكثير من مخاطر التخلف عن السداد. ومن المحتمل أن يكون هذا التقييم نتاجا لتصاعد وتيرة المظاهرات والاحتجاجات والاضطرابات المنجرّة عن الصدمات المتعددة التي عانى منها التونسيون منذ تفشي وباء كوفيدـ19؛ إذ لم تكن الاحتجاجات الشعبية على غاية من الأهمية خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أي في ظل حكم بن علي، وذلك على الأقل حتى انتفاضة الحوض المنجمي في عام 2008 [16]، والتي كانت بمثابة النذير للفوران الثوري الذي اندلع في 2011/2010.و تظهر إحصائيات البنك الدولي في ما يخصّ المظاهرات والاحتجاجات في البلاد أنها توالدت بشكل كبير إثر الاتفاق الأول مع صندوق النقد الدولي في عام 2016، وأنّ وتيرتها قد تسارعت بعد عام 2019؛ تجاوز مستوى حدوث تلك الاضطرابات نقطة الذروة التي بلغتها في فترة ثورة 2011 بعد الاتفاق الأول مع صندوق النقد الدولي والصعاب الناجمة عن انخفاض قيمة الدينار. كما كان مستوى حدوثها أعلى بثلاث مرات مما كان عليه خلال عام 2011، وأعلى بمرتين مما كان عليه في عام 2016، وذلك مع موفّى سنة 2020. وتتزايد الاحتجاجات تزامنا مع مساعي الحكومة لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تمّت مناقشتها مع صندوق النقد الدولي وجهات مانحة دولية أخرى.
لقد ارتفعت معدلات التضخم سريعا منذ عام 2021، إذ قفزت من7,5٪ إلى 8,5٪ في عام 2022، ومن المتوقع أن يبلغ متوسط نسبة التضخم 9,5٪ في عام 2023. وتبلغ نسبة الاعتماد على الواردات الغذائية في تونس أكثر من 60٪، خاصة بالنسبة للحبوب [17]. ومما يزيد الطين بلّة أن المصدر الرئيسي لواردات الحبوب هو روسيا؛ وبذلك، تؤثر الحرب في أوكرانيا وما نتج عنها من اضطراب في الإمدادات على تونس في أسوأ لحظة ممكنة، حيث ينعدم لدى الدولة الإمكانات المالية اللازمة لحماية سكانها من صدمات العرض والأسعار. وبالتالي، يمكن أن تؤدي الآثار المركبة لهذه الأحداث إلى مزيد من الاحتجاجات، فمستوى التضخم المتوقع لعام 2023 هو أعلى مستوى عرفته البلاد منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ويجب تنزيل إشارة الرئيس قيس سعيد إلى انتفاضة الخبز في عام 1984 كجزء من أسبابه للتراجع عن تخفيض الدعم الذي طلبه صندوق النقد الدولي في سياق هذه الضغوط المتراكمة على السكان. وتكمن المفارقة التاريخية في حقيقة أن التخفيض المفاجئ في الدعم الذي أقرّه الرئيس السابق بورقيبة في عام 1984 [18]، والذي نتج عنه أهمّ انتفاضة شهدتها البلاد في ما قبل 2011 ومنذ استقلالها في عام 1956، لم يفرضه صندوق النقد الدولي، الذي كان في الحقيقة قد اقترح خفضًا تدريجيًا للدعم يمتدّ على سنوات [19].
المراهنة على استراتيجية مفادها أنّ تونس «أكبر من أن تفشل»
يُعتبر الهياج الرئاسي ضد المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى في تونس سببًا رئيسيًا وراء الارتفاع المفاجئ في عمليات العبور المحفوفة بالمخاطر نحو أوروبا. وإيطاليا هي الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي المعنية بمواجهة هذه الأزمة بشكل مباشر، إذ تتنامى أدفاق الهجرة نحو الاتحاد الأوروبي وإيطاليا باطراد مع تزايد الضغوط الاقتصادية في البلاد. ويراهن الرئيس وحكومته على المخاوف الإيطالية من التأثير الكارثي الذي قد يحدثه تخلف تونس عن السداد على تدفقات الهجرة؛ يبدو أن استراتيجيتهم تلك فعالة، فإيطاليا لا تتوانى أبدا عن التأكيد على الحاجة لتقديم صندوق النقد الدولي دعما عاجلا لتونس، بل إنّها تقترح أن يضخّ صندوق النقد الدولي التمويل حتى وإن لم يتمّ التوصّل لاتّفاق. على الرغم من أن هذا السيناريو غير مرجح بشكل كبير، إلا أنّه يظهر التوترات المتزايدة والمخاطر المتصورة للمشاكل المالية في تونس، إذ لا تستطيع إيطاليا مواجهة أزمة هجرة ذات تبعات كارثية في الوقت الذي تواجه فيه مشاكل مالية في ظل الارتفاع الجسيم لمستوى مديونيّتها.
وتبرز إمدادات الطاقة كخطر محدق آخر قد تواجهه إيطاليا في حالة تخلف تونس عن السداد، إذ يمرّ خط الأنابيب عبر المتوسّط (ترانسميد TransMed ) الذي ينقل الغاز الجزائري إلى إيطاليا عبر تونس [20]. وكانت عدّة دول عضوة في الاتحاد الأوروبي قد اضطرت إلى استبدال إمدادات الغاز وتقليل اعتمادها على الغاز الروسي بشكل صارم، إن لم يكن بشكل كلّي، في أعقاب الحرب الأوكرانية؛ وهنا، برزت الجزائر كأكبر مورد للغاز في إيطاليا إثر هذا التغيير الهائل [21]. ومن ثمّ، برز مثل ذلك الوضع الاستراتيجي الجديد الذي يعتقد سعيّد أن تونس تنعم به الآن. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مشاريع تبادل الطاقة الكهربائية المتجددة بين إيطاليا وتونس لهي على قدر عظيم من الأهمية بالنسبة للشركات الإيطالية، وهي تجسّد الطموحات الإيطالية في أن تكون مزودًا مهمًا للكهرباء المتجددة في شمال إفريقيا؛ في هكذا سياق أضحت إيطاليا الشريك التجاري الأهم لتونس، لتحتلّ بذلك موقع فرنسا التقليدي [22]. وإن مرجنا كل هذه العناصر من وجهة نظر تونس، فإنه يصير من اليسير أن نتخيل كيف يمكن لتصور الرئيس لمدى أهمية تونس بالنسبة لشركائها في الاتحاد الأوروبي أن يقوده إلى المراهنة على وضع بلاده «المهم للغاية»، أو حتى «المخيف جدًا» في حالة الانهيار. وإنه من الممكن قول الشيء نفسه عن شركاء تونس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ تشهد المنطقة تغيرات سريعة في هندسة التحالفات؛ تقع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في قلب العديد من المبادرات السياسية والمالية، حيث أصبحتا مصادر بديلة موثوقة لتمويل البلدان المتعثّرة التي تواجه مشاكل مالية. إّننا نرى قروضهم تدعم احتياطي مصر من النقد الأجنبي مع تدهور ميزان مدفوعاتها وتدهور قيمة عملتها مقابل الدولار الأمريكي واليورو. وتلقّى البنك المركزي المصري سنة 2022 ودائع احتياطي بقيمة 13 مليار دولار أمريكي من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. كما أنهما تعينان تركيا بنفس الطريقة، في الوقت الذي يجبر فيه الرئيس أردوغان بنكه المركزي على الحفاظ على أسعار فائدة حقيقية سلبية، بينما ترتفع نسب التضخم وتنخفض قيمة الليرة التركية بشكل متسارع؛ تلقّى البنك المركزي التركي وديعة بقيمة 5 مليارات دولار أمريكي من المملكة العربية السعودية، كما تلقّى البنك مبالغ قيمتها عشرات أو آلاف المليارات من الدولارات الأمريكية من قطر والإمارات خلال الأشهر السابقة. وزيادة على ذلك، فقد تبدّلت العلاقات التجارية التونسية بشكل كبير في السنتين إلى الثلاث سنوات الماضية، وهو ما يظهر التأثيرات المتغيرة للعلاقات الخارجية التونسية؛ لقد نمت التجارة مع الاتحاد الأوروبي بنسبة 30٪ في عام 2022، وهو نموّ صحّي يخفي حقيقة سريعة التغير مفادها تضاعف حجم المبادلات التجارية مع الجزائر والإمارات العربية المتحدة، ونموّ حجم ذات المبادلات مع المملكة العربية السعودية والهند وتركيا وليبيا بأكثر من 50٪ [23]. وبذلك يصبح من السهل أن نتخيّل الرئيس يتساءل “ما يمنعنا نحن من فعل ذلك؟ نحن بحاجة إلى القليل لتفادي التخلف عن سداد الديون! هم قطعا لن يخذلونا بسبب نزر قليل…”
إن اعتقال رئيس حزب حركة النهضة الإسلامي ورئيس البرلمان المنحلّ، السيد راشد الغنوشي، مؤخرًا لهو خطوة جسورة أقدم عليها الرئيس التونسي الذي استخدم تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها الغنوشي ووُصِفَتْ بأنها «تحريضية» كذريعة لاعتقاله. وبينما يحاول الرئيس إثبات أهمية تونس لشركائها، فمن المحتمل أنه يراهن على أن الضغط المتزايد على الإخوان المسلمين سيُطرِبُ أولئك الأكثر حساسية وتوجّسا من هذا التهديد، أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ لقد شددت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة شروطهما للحصول على تمويل جديد منهما في الأشهر القليلة الماضية، وتمّ إبلاغ الرئيس المصري بمطالب صارمة بشأن خطط خصخصة الشركات المملوكة للدولة، ومدى التقدم المُحْرَزِ في التزامات الإصلاح التي تعتبر بطيئة أو مضلّلة [24]. كما صرّح كلا البلدين أنهما لن يساهما في توفير تمويل جديد لتونس إلافي حال التوصّل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتوقيعه.
هل ستثمر استراتيجيته؟
تكون الإجابة المختصرة عن هذا السؤال: بلى، إلى حد ما.
يبدو أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي قد تواصلت حتى بعد تصريح الرئيس قيس سعيد. وفي حين أن نطاق الإصلاحات المالية والجبائية لن يتغير، فإنه يمكن تمديد فترة تنفيذها لجعل التعديلات أقل فجئية وإيلاما. بيد أن الوقت هو العامل الجوهري بالموضوع؛ يشير العجز في التمويل المذكور سابقا إلى التخلف عن سداد الديون في الأشهر القليلة المقبلة، وسوف لن تستطيع أي دولة من الدول التي ستمول تونس تحمّل مسؤولية إحداث تخلف عن السداد. إلا أنه يتوجّب سداد السندات الدولية المستحقة في وقت لاحق من هذا العام، والعام المقبل، وإلا فسيتم تفعيل التخلف عن السداد. ولقد باتت غواية استخدام احتياطيات البنك المركزي من أكبر المخاطر في هذا السياق؛ بلغت احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي ما قيمته 7.12 مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2022، بعد أن فاقت 8 مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2021. وأصدر البنك المركزي قبل أيام بيانًا بشأن انخفاض الاحتياطيات التي باتت تغطّي 93 يومًا من الواردات [25]، وهو أعلى بقليل من المستوى الحرج المُقَدّرِ بـ90 يومًا، والذي يمكن أن يؤدي الوقوع دونه إلى انهيار متسارع لقيمة الدينار التونسي. وفي حين يحظر قانون البنك المركزي لعام 2016 [26] إقراض البنك الحكومة لسداد الدين الحكومي، فقد يذعن الرئيس لغواية تتمثّل في تغيير هذا القانون ومنح نفسه متسعا من الوقت للمضي قدما في استراتيجية ” تونس أهمّ من أن تفشل” عن طريق دفع الموعد النهائي لمدفوعات السندات الدولية واستخدام احتياطيات البنك المركزي لأقرب موعد نهائي للسندات بقيمة 500 مليون دولار المستحقة سنة 2023؛ إنه سيسير بذلك على خطى الرئيس التركي أردوغان الذي قام بليّ ذراع محافظي البنك المركزي التركي المتعاقبين، مجبرا إيّاهم بذلك على تطبيق سياسة نقدية تناسب أجندته السياسية «الأردوغانوميكس Erdoganomics » التي تعيث في الاقتصاد فسادا.
يخاطر الرئيس قيس سعيد بارتكاب خطأ فادح من شأنه أن يعجل بدفع تونس من على حافة الهاوية.
يُمكن لتونس تجنب التخلف عن سداد الديون من خلال منع أي مبادرة كارثية يمكن أن تتعلّق باستقلالية البنك المركزي واستخدام احتياطيات البنك من النقد الأجنبي. وإنّه من الوارد أن يدّعي الرئيس سعيد وحكومته تحقيق انتصار حين يليّن صندوق النقد الدولي جدول تنفيذ الإصلاحات التي يشترطها في مقابل برنامج تمويل جديد، حتى لو ظلّ جوهر الإصلاحات ثابتا لم يتغيّر. كما قد تكشف الاتفاقية النهائية عن بعض المساومة على الوقت، والائتمان مقابل العمق، وحدّة الإصلاحات. وبغض النظر عن أي اتفاق محتمل كفيل بأن يجنّب البلاد تخلّفا حتميّا عن سداد الديون، فإنّ اقتصاد تونس وعقدها الاجتماعي المضمّن مفلسان؛ سيتيح اتفاق يُبرمُ مع صندوق النقد الدولي المجال اللازم لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة وتحسين الموازنات المالية للدورات الميزانية القليلة القادمة. وإذا ما لم يتمّ تغيير النموذج الاقتصادي والإجماع الاجتماعي المصاحب له هيكليًا لتقديم معدلات أعلى بكثير من النشاط الاقتصادي ـ زيادة الناتج المحلي الإجمالي من 4 إلى 5٪ لعدة سنوات على سبيل المثال ـ فمن الوارد أن تلتمس تونس من جديد الحاجة إلى برنامج إنقاذ يوفّره صندوق النقد الدولي خلال الثلاث أو الأربع سنوات القادمة. وتجدر الإشارة إلى أنه، ومنذ سنة 2011، لم يقدّم أي حزب سياسي أو لوبيّ أعمال أو نقابة عمالية أيّ مخطط إصلاحي يتحدى المخطط الذي طرحه البنك الدولي والاتحاد الأوروبي. إنّ الرئيس قيس سعيّد براء من مثل هذا الإخفاق، أما وصوله للحكم فقد يكون نتيجة مباشرة له.
أتى الاقتصاد المفلس على المطامح الديمقراطية
كنا قد ناقشنا في ورقة سابقة [27] كيف أهلكت التوجهات المالية منذ «ثورة» 2011 الإطار الديمقراطي الرسمي والمؤسسي الذي يكرّسه دستور عام 2014. كما كنّا قد برهنّا عن مدى وضوح هذه التوجّهات على مدار السنوات العشر التي سبقت انتخاب قيس سعيّد، ذي الشعبية الكبيرة، لبلوغ منصب رئاسي فاقد للصلاحيات آنذاك، وما ترتّب عنه من استيلاء «غير مفاجئ» على السلطة في عام 2021.
ولا تزال نسب البطالة جدّ مرتفعة عند مستوى 15,5% [28]، حيث لم يتم إحراز تقدم كبير على هذا المستوى في السنوات الثلاثين الأخيرة؛ إذ كانت نسب البطالة عند نفس ذلك المستوى في التسعينيات من القرن الماضي. كما تكون نسب البطالة بين صفوف الشباب أفدح، إذ تجاوزت مستوى 38% بموفّى عام 2022 [29]، مع العلم بأن نسب بطالة النساء تظل أعلى دوما بالمقارنة بنسب عمالة الذكور. ثمّ إنّ الاقتصاد التونسي ينتج مستويات أعلى من البطالة بين الفئات المحصّلة لتعليم عال جامعيّ [30]. ويُضاف إلى ذلك أن مستويات الوظائف الرسمية (التي يَحُدُّهَا البنك الدولي بأنّها مستفيدة من التغطية والضمان الاجتماعي) هي الأدنى بين الفئات غير المتعلّمة التي تكون نسب البطالة في صفوفها هي الأدنى [31]. وأخيرا وليس آخرا، فتكون معدلات البطالة في ولايات الوسط والجنوب التونسي أعلى بأضعاف من نظيرتها بمنطقتي تونس وقرطاج، مما يحيل على تباينات خطيرة ما فتئت تتزايد باطّراد منذ العام 2011 [32]. كما ثقلت فاتورة التأمين الاجتماعي ونمت كتلة أجور الوظيفة العمومية منذ العام 2011، لتبلغ بذلك مستويات لا تُحتَملُ؛ وكان نتيجة لذلك أن بلغت نسب الإنفاق العام الـ 35٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 [33]، كما ارتفع الإنفاق الجاري والاستهلاكي بأضعاف على حساب الإنفاق الاستثماري، مما قيّد إمكانات نموّ الاقتصاد [34]. وينضاف إلى كلّ ما سبق الإدارة الكارثية للمؤسسات والشركات المملوكة للدولة في البلاد التي تولّد خسائر تشغيلية طائلة، مما يضيف مزيدا من الضغوطات على وضعية الموازنات المالية العامة الحرجة أصلا. ويظلّ الدور الجليّ لهذه المؤسسات والشركات في الاقتصاد، مع ما يقرب من 10% من الناتج المحلي الإجمالي و2,5% من إجمالي العمالة، في كونها تساهم بحصة كبيرة من العجز الحكومي؛ لقد ارتفعت الديون التراكمية لهذه المؤسسات بشكل صاعق لتبلغ 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، كما فقدت هذه الشركات المملوكة للدولة بشكل جماعي معظم رأس مالها بين عامي 2016 و 2019 [35].
وينتهي المطاف بالدولة المتضخمة إلى تخصيص جزء هامّ من اقتصادها الذي يعيش أصلا على مبالغ متنامية من الديون لتمويل الشركات المملوكة للدولة الخاسرة ومعدّلات الاستهلاك، خانقة بذلك الاستثمار والإنتاجية. وتدلّل جميع المؤشرات التي تقيس البحث والتطوير والابتكار والتّكوين إلى تناقص ثقيل في السنوات التي أعقبت ثورة 2011 [36]. كما تواجه البلاد تحديًا مروّعا آخر، بالإضافة إلى ذلك المتمثل في كون جميع محرّكات الاقتصاد التونسي هي منتجة للعجز؛ ستتغيّر قريبا التركيبة الديمغرافية للسكان، ممّا سيؤثر على المجتمع بأسره. وسترتفع نسبة إعالة المسنّين [37] (أي السكان الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا اعتمادًا على السكان النشطين اقتصاديا بين 15 و 64 سنة وفقًا للتعريف الوارد بتعداد الأمم المتحدة) بمعدلات متسارعة في العقدين المقبلين، وهو ما سيخلق احتياجات ضخمة جديدة في ما يتعلّق بالتمويل والإنفاق الاجتماعي. وارتفعت نسبة إعالة المسنين من 10 % إلى 13.27 % من السكان النشطين اقتصاديّا [38] منذ العام 2011. وسيتسارع معدل زيادة هذه الفئة، وهو الآن في طور الارتفاع أصلا، بشكل كبير بدءًا من الوقت الحالي على وجه التقريب، وذلك ما سيفضي إلى مضاعفة عدد المتقاعدين ثلاث مرات في السنوات العشرين المقبلة، ورفع نسبة إعالة المسنّين لتفوق الـ 50٪ بحلول نهاية القرن الحالي. وستخلق هذه التوجّهات تحديا هائلا للاقتصاد وللمجتمع ككلّ وفقا للتقرير الأحدث لتوقعات السكان في العالم الصادر عن الأمم المتحدة [39]؛ إن هذه البلاد، التي تعاني من معدّلات مديونية مرتفعة للغاية، غير مستعدّة على نحوٍ خطير لما هو قادم.
إنّ الاقتصاد مفلس، وإنّ قدر البلاد هو إدارة الاستنزاف والإنهاك والتهديدات المالية المتتالية. إنّ مثل هذا السياق لا يتيح ازدهار الممارسة السياسية التعاونية. وقد أفضى الانحطاط المستمر للدولة وتبدّد سلطتها منذ العام 2011 حتما إلى الانهيار القطعي لوهم الديمقراطية البرلمانية. ويبرز العجز المتفاقم كمرآة تعكس الصورة المالية لـ “عقد ضائع” من القرارات المرجئة من قبل الأغلبيات السياسية المتعاقبة. ويشكّ بعض المراقبين في أنه قد كان لأي رئيس أو حكومة أعقبت سقوط بن علي النيّة لإجراء إصلاحات جريئة. إن عدم التوافق بين الإدراك والواقع [40] لهي سمة ثابتة تلازم تونس. ولا يتوق أي سياسي في أي مجتمع كان إلى أن يُقْبَضَ عليه وهو يدير العجز المتفاقم وخفض الإنفاق والخسائر المالية. ومن جانبنا، نحن نعتقد أنّ الوضع الحالي ناتج منطقي يمكن التنبؤ به لكل التوجهات الاقتصادية للسنوات ما بعد 2011.
التغييرات الهيكلية في الاقتصاد بوصفها السبيل الوحيد نحو الديمقراطيّة الحقّة
بلغ متوسط النمو على المدى الطويل في تونس خلال السنوات الـثلاث والعشرين الماضية حوالي 2.7٪، وظلّ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في حالة ركود منذ عام 2011، بل وتراجع منذ العام 2014 [41]؛ لقد كان ذلك نمط نمو أقل من ممتاز اعتمد على مراكمة الديون لتحقيق هذه النتيجة الباهتة. وحتى إذا ما افترضنا إبرام اتفاق في نهاية المطاف، فإنّه ما من اتفاقية تمويل قصير الأمد يقدّمها صندوق النقد الدولي يمكنها أن تبدّل المشاكل الأساسية لنموذج البلاد الاقتصادي؛ إذ لن يؤدي ذلك، مثله في ذلك مثل جميع الحلول السابقة، إلا إلى إرجاء القرارات الصعبة اللازم اتخاذها حتى يبلغ الاقتصاد التونسي مستوى نمو مستدام يفوق باستمرار عتبة الـ 4٪، وذلك على مدى عدّة سنوات. ووحده ذلك كفيل بأن يتيح زيادة مستدامة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ويخفض نسبيا من كتلة الديون. ويمكن تتبّع أصول بنى الدولة والاقتصاد التي أفضت بالبلاد إلى مأزقها الحالي إلى الدولة التي بُنِيَتْ في عهد بورقيبة. لقد استنفذت تلك البنى مداها؛ لقد عفا عليها الزمن وأضحت غير مؤهلة لمواجهة التحديات الحالية والمقبلة التي تواجه تونس، وذلك حسب ما يقوله الاقتصادي والمؤرخ البارز، الأستاذ هاشمي عليّة، في كتابه الحديث حول “النّموذج التونسي” [42].
إن تاريخ البلاد يعلّمنا أن أي تغيير هيكلي في الاقتصاد سيتطلب إعادة هيكلة كبيرة للدولة نفسها.
إن من الثابت أن مُرامَ وتكاليف مثل هذا الانتقال أعلى بكثير من أي برنامج تمويل حالي يوفّره صندوق النقد الدولي، إذ يمكن أن تقارب احتياجات التمويل الجديدة 15 إلى 20 مليار دولار أمريكي، وهي مبالغ تفوق بكثير تلك المرصودة في إطار برامج التمويل الحالية والسابقة. بيد أن مثل هذا الجهد سوف لن يقتصر على تصويب أخطاء الماضي وتجنّب أيّ مآزق مالية محتملة، وسيستلزم إلى ذلك برامج استثمارية كبرى تهدف إلى وضع الاقتصاد التونسي على مسار اقتصادي مغاير تماما. وسيعتمد ارتفاع مستويات النمو على التطوير المستمر لرأس المال البشري والترفيع في دور وحصة قطاع خاص فعلي، وذلك بمنأى عن المجموعات الاحتكارية التي تسعى لتحصيل الرّيع والتي تنعم الآن بنفوذ قويّ على الاقتصاد. ويجب التفاوض على صفقة كبرى تقولبها اتفاقيات إنتاجية عمالية جديدة وانتقال طاقيّ سريع نحو مصادر الطاقة المتجدّدة؛ ستكون النتيجة زيادة بارزة في حصة الإنفاق الرأسمالي في الميزانية على حساب الاستهلاك الخالص، ما سَينقُضُ الآليات المفضية إلى المآزق الحالية.
ويمكن أن يعين التحوّل الطاقيّ في رتق جيب من جيوب العجز المتراكم، فقد ارتفعت تكاليف دعم الطاقة بشكل جدّ ملحوظ في السنوات الأخيرة، مساهمة بذلك إلى حدّ كبير في التدهور المالي الذي ما فتئ يتسارع منذ العام 2015 [43]. وأظهرت دراسة أجرتها الخبيرة الاقتصادية إيمان اللوّاتي في أوت 2022 لصالح مؤسسة روزا لوكسمبورغ حول مزيج الطاقة في البلاد التغيّر البارز في الاعتماد على الطاقة في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والذي صيّر تونس بلدا مستوردا للطاقة؛ لقد أدّى بروز مكانة النفط في العالم في بداية الألفينات في تفاقم العجز، معرّضا بذلك الوضع المالي للشركة التونسية للكهرباء والغاز (STEG) لمخاطر جمّة. ولذلك، فإنه ينبغي أن يكون التسريع في التحول الطاقي نحو استغلال الطاقة المتجدّدة مشروعا وطنيا أساسيّا. كما تتوجّب مراجعة المبادرات التي هي في طور التنفيذ حاليا للترفيع في التمويلات المادية بهدف مساعدة تونس على تحقيق هدفها الطموح والمتمثّل في خفض استهلاكها للكربون بمقدار 40% في السنوات العشرين المقبلة [44]. إن من شأن تذليل العقبات أمام التجارة الدولية عبر التخفيض الجذري للتعريفات الجمركية أن يعزز نشاط القطاع الخاص وفقا لعمليات المحاكاة التي تقوم بها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ممّا سيعود بالنّفع على الناتج المحلي الإجمالي وعلى العمالة بعد سنتين فقط [45]. كما أنّ إقرار تدابير موحّدة تهدف إلى وضع أطر حوكمة جديدة صلب الشركات المملوكة للدولة، وتحديد معايير مرجعية للموارد والإنفاق على قطاعات صناعية قابلة للمقارنة، وإقامة روابط بين المستويات العامة للأجور وأداء الشركات في إطار تحقيق الأهداف والمعايير القطاعية، وتطهير الموانئ من الفساد، وتكثيف برامج التدريب والبحث والتطوير التقني المتسقة والمستمرة، من شأنه أن يجوّد بشكل ملموس الوضع التنافسي للقطاع الخاص، وأن يَحُثَّ الشركات المُصَدِّرةِ، وهو ما سيكون له أثر إيجابي مباشر على الأرصدة الخارجية للبلاد في فترة تتراوح بين 3 و 5 سنوات. وسيفضي مجموع هذه التغييرات إلى ارتفاع بنسبة 30٪ إلى 50٪ في مستويات الناتج المحلي الإجمالي الأساسية وفقًا لدراسات قامت بها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وربما ستكون هذه النسب أعلى بكثير في تقديرنا.
إنّ الإطار الحالي لنظام الصرف الأجنبي بالٍ إذ قد عفا عليه الزمن، وهو يشكّل عقبة أخرى أمام تطوير القطاع الخاص بسبب العراقيل التي تعترض تدفقات رؤوس الأموال والتجارة الدولية. كما لم يتمّ بعدُ تنفيذ الإصلاحات المنتظرة لنظام الصرف الأجنبي، وهو وضع يدفع البنك المركزي إلى تبنّي سياسة حمائية للذّود عن احتياطي النقد الأجنبي. إن وجود نظام أكثر مرونة يحرّكه السوق ـ حتى لو تمّ ضبطه ـ من شأنه أن يؤثر على الموازين التجارية ويعين على إجراء تعديلات محكومة بتغيّر الأسعار، شريطة تعويض الفئات الأكثر هشاشة من التونسيين عن التبعات السلبيّة عن طريق وسائل حماية ودعم موجّهة.
ويتعيّن إصلاح السياسات الضريبية، وخاصة التراجعية منها من قبيل ضريبة القيمة المضافة، إصلاحا شاملا بحيث يتم إحلالها بسياسات ضريبية تقدمية من خلال زيادة حماية الشرائح المئوية ذات الإيرادات المنخفضة، تزامنا مع تحصيل المزيد من الإيرادات الضريبية من الفئات المئوية العليا. وبالتوازي مع الإصلاح الشامل للمنظومة الضريبيّة، يجب تخصيص تمويلات كبيرة جديدة لخطة متسقة مع جهود مكافحة التهرب الضريبي المنتشر في جميع القطاعات. إنّ ارتفاع مستوى نمو الناتج المحلي الإجمالي لهو كفيل بأن يُيَسِّرَ تحقيق ذلك الهدف.
ويُعَدّ القطاع المالي مثالا آخر عن المجالات التي يمكن أن يؤدي فيها تغيير الأطر التنظيمية إلى تحسّن بارز، إذ تبرز الدراسات القطاعية أن هيمنة الاقتراض الحكومي وعجز المؤسسات المملوكة للدولة لهما تأثير مزاحمة اقتصادية في ما يتعلّق بالاحتياجات الائتمانية للقطاع الخاص. وباعتبار أن القانون عدد 35 لسنة 2016 المتعلّق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي يحدّ من قدرة البنك المذكور على سدّ العجز الحكومي، فإنّه يمكن للحكومة التونسية أن تلجأ إلى تحصيل التمويل من البنوك الخاصة والعامّة من خلال إصدار سندات الخزينة. ويمتاز القطاع المصرفي بكونه ذا رأس مال حسن مع نسب تنظيمية عالية من المستوى الأول من رأس المال؛ يمكّنها ذلك من أن تستمرّ في إقراض للحكومة حتى مع ارتفاع تكلفة مخاطر مثل هذه الاستراتيجيات. وبذلك ظلّ أداء القطاع في السنوات القليلة الماضية مرضيًا حتى في ظلّ تدهور وضع البلاد المالي [46]. وإنّ استعراض أطر الإقراض مع اشتراطات جديدة لنسب رأس المال تعكس أولويات تنمية القطاع، بالإضافة إلى حصر الإقراض على الشركات المملوكة للدولة ذات الأداء الضعيف واقتناء سندات الخزينة الحكومية، من شأنه أن يدعم تحسين توجيه إمكانات الميزانية العمومية نحو القطاع الخاص.
سيشكّل نموذج الإصلاح الذي سيُعتمد قطيعة هامّة مع نموذج «بورقيبة»، وذلك بغضّ النّظر عن فحواه [47]، إذ ستصير الدولة مستثمرا أكثر منها مستهلكاً، وستصبح شريكاً للقطاع الخاص، لا منافسا له. وستكون موارد الدعم الموجّه أكثر قدرة على حماية الفئات الهشة من التونسيين الأقلّ جاهزية لمواجهة تأثيرات الإصلاحات المستقبلية. إنّ المنافحة عن مثل هذه الرؤية سيلاقي اهتماما من قبل الاتحاد الأوروبي ومؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إذ أنّها تبتغي تقديم نموذج اقتصادي أكثر استدامة وأقلّ عرضة لتكرار سيناريو «الاصلاحات الهيكلية». ولهذه “الثورة” الاقتصادية والاجتماعية فرص ضئيلة لمغادرة رفوف لجنة الصياغة إذا ما لم تكن مرفودة برؤية سياسية جريئة وإذا ما لم تتمّ مشاركتها على نطاق واسع مع المجتمع التونسي؛ لن يدعم الناس أبدًا أي برنامج إصلاح جريء ومؤلم إذا ما عجز قادتهم عن المشاركة والشرح والتعبئة لإنجاح هكذا مسعًى جماعيّ. إنّ هناك حاجة ماسة إلى رؤية ما، ولا يمكن لدولة استبدادية أن تفرضها بصفة فوقيّة؛ العملية الديمقراطية المتسقة هي وحدها القادرة على خلق حركة “نعم نستطيع”.
الخلاصة: تجاوز “الانتصار التكتيكي” نحو الديمقراطيّة
من الممكن أن تتفادى تونس ما يبدو اليوم وكأنّه تخلف محتمل عن سداد الديون في الأشهر القليلة المقبلة، كما أنّه من الممكن أن تخلق المفاوضات الحالية مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي لدى الرئيس وهم نصر قصير المدى مقرون بشروط أخفّ وطأة. غير أنّه سوف لن يقدر أي انتصار «تكتيكيّ» على تبديل واقع الإفلاس الفعليّ لاقتصاد البلاد، بل سيفضي ذلك بكل بساطة إلى زيادة الضغط المتفاقم على الفئات الأكثر هشاشة من السكّان؛ ستظلّ إلى ذلك احتمالية الحاجة إلى برامج تمويل الإنقاذ عالية في المستقبل.
ويمكن لمخطط اقتصادي أكثر طموحا يرتكز إلى تغييرات هيكلية في النموذج الاقتصادي والعقد الاجتماعي نفسه أن يقدم رؤية جديدة للدولة تحلّ محلّ الرؤية القديمة التي انصرمت فترة صلاحية توظيفها التاريخي ـ بل إنّها قد كانت قد انصرمت بالفعل ما قبل ثورة 2011. إنّ إشراك أكبر شريحة ممكنة من المجتمع، وبالأخصّ رواد الأعمال الشباب وأولئك الذين يزرعون الأرض، هو الأمل الأوحد في أن يتمّ تقبّل ما سيمثّل تضحيات أليمة. وأمّا التحوّل الحالي نحو الحكم الاستبدادي فهو غير موائم لمثل هذه الغاية، إذ سَيُقَابَلُ بمقاومة وصدّ قويّين وهروب متنامٍ لرأس المال والناس. وستتتالى التكتيكات الدفاعية والقمع كما يلي اللّيل النّهار، لتضحي البلاد مُعْدَمَةً وغير ذات قدرة على التنعّم بالحريات الأساسيّة؛ لقد صرّحت وزيرة الخارجية الألمانية، آنالينا بيربوك، في 21 أفريل المنقضي أنّه ” لا يجب أن تضيع الديمقراطية التونسية” [48] إثر حملة الاعتقالات السياسية التي تعدّدت في تونس. إنّنا ندعوها، والعديد العديد من زملائها ومؤسسات الحكم الأوروبية إلى إعادة النظر في تحليلهم للبلاد التي يبدو أنهم جدّ مكترثين بإعانتها، إذ يجب أن يقلع الاتحاد الأوروبي عن الاختباء وراء ذرائع المصادقة على برامج صندوق النقد الدولي، وأن يأخذ بزمام المبادرة في تعزيز وتشجيع إصلاح شامل طموح للبنية الاقتصادية للبلاد التي تشاركها “خبراتها” الديمقراطية المعترف بها في الداخل. كما يقدر الاتحاد الأوروبي أن يشجّع ويدعم الاستثمارات في رأس المال البشري والبحث والتطوير والتحوّل الطاقيّ، والتي تعتبر حيويّة لتحوّل لازم في تونس.
على الآنسة بيربوك وجميع شركائها أن يدركوا أن الديمقراطية التونسية لم تكن موجودة أصلا لتضيع، وأنّه ينبغي العثور عليها، وأنّه من باب أحرى أن تتحول الأزمة الحالية إلى فرصة لبدء مثل ذلك البحث.
إنّ محتوى هذا المنشور هو مسؤولية المؤلّفين وحدهم، وهو لا يعكس بالضرورة موقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ.
[1] باسم صنيج، أستاذ مشارك بمعهد الدراسات السياسية بباريس وشريك إداري في شركة الاستشارات كوزموس آدفايزرز Cosmos Advisors.
[2] كان فرانسيس غيلاس مراسلًا لفاينانشيال تايمز Financial Timesبشمال إفريقيا وزميل أبحاث مشارك في مركز برشلونة للشؤون الدولية، وهو حاليًا زميل في كلية الملك في لندن.
[3] صحيفة لوموند Le Monde : في تونس: شيماء عيسى، أوّل سجينة سياسية في عهد قيس سعيد
الرابط: https://www.lemonde.fr/afrique/article/2023/04/04/en-tunisie-chaima-issa-premiere-femme-prisonniere-politique-sous-le-regime-de-kais-saied_6168206_3212.html
[4] باسم صنيج وفرانسيس غيلاس: الأسباب التي تجعل تونس تستحق دعما أقوى من الاتحاد الأوروبي/ مؤسسة روزا ليكسمبورغ ـ مكتب شمال إفريقيا
الرّابط: https://rosaluxna.org/ar/publications/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d8%aa%d8%ac%d8%b9%d9%84-%d8%aa%d9%88%d9%86%d8%b3-%d8%aa%d8%b3%d8%aa%d8%ad%d9%82-%d8%af%d8%b9%d9%85%d8%a7-%d8%a3%d9%82%d9%88%d9%89/
[5] “مجلس الشؤون الخارجية: تصريحات صحفية للممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل، خلال المؤتمر الصحفي.” دائرة العمل الخارجي الأوروبية، مجلّة فورين أفيرز Foreign Affairs Magazine ، 20 مارس 2023.
الرابط: https://www.eeas.europa.eu/eeas/foreign-affairs-council-press-remarks-high-representative-josep-borrell-press-conference-0_en.
[6] قاعدة بيانات بلومبيرغ Bloomberg
[7] أسواث داموداران: “انتشار تخلّف الدول عن السّداد وعلاوة المخاطرة عن الإقراض”.
Welcome to Pages at the Stern School of Business, New York University
كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك، جانفي 2023.
[8] “التوصل إلى اتفاق على مستوى خبراء الصندوق مع تونس للاستفادة من “تسهيل الصندوق الممدد”، قسم العلاقات الإعلامية بصندوق النقد الدولي، 15 أكتوبر 2022.
الرابط: https://www.imf.org/ar/News/Articles/2022/10/15/pr22353-tunisia-imf-staff-reaches-staff-level-agreement-on-an-extended-fund-facility-with-tunisia
[9] “تصنيف: تصنيف تونس الائتماني لسنة 2023″، الموقع الإلكتروني countryeconomy.com
الرّابط: https://countryeconomy.com/ratings/tunisia.
[10] نفس المصدر السابق
[11] الرابط: https://www.fitchratings.com/research/sovereigns/tunisia-rating-action-report-29-03-2023
[12] الرابط: http://www.finances.gov.tn/ar/telechargement?field_secteur_et_domaines_target_id=80&title=
[31] الرابط: https://www.todayonline.com/world/debt-crunch-looms-weaker-economies-wall-bond-maturities-ahead-2147896
[41] الرابط: http://www.finances.gov.tn/sites/default/files/2023-01/0002_0.pdf
[51] الرابط: https://www.reuters.com/world/africa/tunisian-president-rejects-imf-dictats-says-public-peace-not-game-2023-04-06/
[16] هاري فيرهوفن، «الفوسفات التونسي وسياسة الأطراف». كتاب “السياسات البيئية في الشرق الأوسط”. الولايات المتحدة: مطبعة جامعة أكسفورد إنكوربوريتد 2018. ص 53 ـ 75.
[17] مجموعة البنك الدولي، “مشروع جديد للبنك الدولي لمواجهة تحديات الأمن الغذائي في تونس”، البنك الدولي، مجموعة البنك الدولي، 30 جوان 2022.
الرابط: https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2022/06/28/new-world-bank-project-addresses-food-security-challenges-in-tunisia
[18] فرانسيس غيلاس، “السلام بمقابل للنظام التونسي المعادي”، فاينانشيال تايمز، 1 فيفري 1984، ص 3. أرشيف فاينانشيال تايمز التاريخي. تمّ الاطلاع عليه بتاريخ 30 أفريل 2023.
الرابط: link-gale-com.ezpaarse.univ-paris1.fr/apps/doc/HS2304485706/FTHA?u=usparis1&sid=bookmark-FTHA&xid=bc944599.
[19] فرانسيس غيلاس، “مهمّة تونس العسيرة في استعادة الوئام”، فايننشيال تايمز، 9 جانفي 1984، ص 2.أرشيف فاينانشيال تايمز التاريخي. تم الاطلاع عليه في 30 أفريل 2023.
الرابط: link-gale-com.ezpaarse.univ-paris1.fr/apps/doc/HS2305600763/FTHA?u=usparis1&sid=bookmark-FTHA&xid=47578037
[20] وكالة نوفا، صندوق النقد الدولي يجمّد سعيّد: تاجيل القرض البالغ 1.9 مليار، وتجابه تونس الآن مخاط التخلف عن السّداد”، وكالة نوفا، 15 ديسمبر 2022.
الرابط: https://www.agenzianova.com/en/news/tunisia-fmi-gela-il-presidente-saied-slitta-il-maxi-prestito-e-ora-il-paese-rischia-il-default/.
[21] فرانسيس غيلاس، “إيطاليا تصبح مركزًا للغاز في جنوب أوروبا في ظل إعادة رسم خريطة روابط الطاقة في شمال إفريقيا”، مركز برشلونة للشؤون الدولية (CIDOB)، جويلية 2022. الرابط: https://www.cidob.org/en/publications/publication_series/notes_internacionals/276/as_north_african_energy_links_are_redrawn_italy_becomes_europe_s_southern_gas_hub
[22] وكالة إيكوفين، “تونس: إيطاليا تبرز كأول شريك تجاري في عام 2022، متقدّمة بذلك على فرنسا”، وكالة إيكوفين، 23 جانفي 2023.
الرابط: https://www.agenceecofin.com/commerce/2301-104728-tunisie-l-italie-s-impose-comme-premier-partenaire-commercial-en-2022-devant-la-france
[23] وكلة تونس إفريقيا للأنباء، “لتجارة الخارجية في تونس : سنة 2022 إيطاليا والصين تتقدمان على فرنسا لأول مرة”.
الرابط: https://www.tap.info.tn/en/Portal-Economy/15931959-tunisia-s-foreign
[24] نيويورك تايمز، “لا مزيد من الشيكات على بياض: العربية السعودية تضيّق الخناق على المساعدات الإقليمية”.
الرابط: https://www.nytimes.com/2023/04/02/world/middleeast/no-more-blank-checks-saudi-arabia-clamps-down-on-regional-aid.html?smid=nytcore-ios-share&referringSource=articleShare
[25] وكالة تونس إفريقيا للأنباء، “انخفاض صافي احتياطي العملة الصعبة عند 93 يومًا من الاستيراد (البنك المركزي التونسي)”.
الرابط: https://www.tap.info.tn/en/Portal-Economy/16187165-net-foreign
[26] البنك المركزي التونسي، الصفحة الرئيسية.
الرابط: https://www.bct.gov.tn/bct/siteprod/arabe/index_ar.jsp
[27] باسم صنيج وفرانسيس غيلاس: الأسباب التي تجعل تونس تستحق دعما أقوى من الاتحاد الأوروبي/ مؤسسة روزا ليكسمبورغ ـ مكتب شمال إفريقيا
الرّابط: https://rosaluxna.org/ar/publications/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d8%aa%d8%ac%d8%b9%d9%84-%d8%aa%d9%88%d9%86%d8%b3-%d8%aa%d8%b3%d8%aa%d8%ad%d9%82-%d8%af%d8%b9%d9%85%d8%a7-%d8%a3%d9%82%d9%88%d9%89/
[28] موقع ماكروترندز Macrotrends ، معدّلات البطالة بتونس بين 1991 و2023. الرابط: https://www.macrotrends.net/countries/TUN/tunisia/unemployment-rate
[29] موقع ستاتيستا Statista، معدل بطالة الشباب في تونس من الربع الثاني من عام 2019 إلى الربع الرابع من عام 2022.
الرابط: https://www.statista.com/statistics/1257796/quarterly-youth-unemployment-rate-in-tunisia/
[30] البنك الدولي، “الدراسة التشخيصية المنهجية عن تونس: إعادة بناء الثقة والوفاء بالتطلعات من أجل المزيد من الرخاء والشمول”، البنك الدولي، مجموعة البنك الدولي، سبتمبر 2022، ص 52.
الرابط: https://documents.worldbank.org/en/publication/documents-reports/documentdetail/099855010052223911/bosib0e03acf1e04609c7b047d911064f91
[31] نفس المصدر السابق، ص 54.
[32] نفس المصدر السابق، ص 57 ـ 58.
[33] موقع ستاتيستا Statista، “تونس: نسبة الإنفاق الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي من 2018 إلى 2028”.
الرابط: https://www.statista.com/statistics/524531/ratio-of-government-expenditure-to-gross-domestic-product-gdp-in-tunisia/
[34] نفس المصدر السابق، ص 64.
[35] أوليريمي أولغباد وآخرون، المؤسسات المملوكة للدولة في الشرق الأوسط وشمال إفريقیا وآسیا الوسطى:حجمها و دورها وأداؤها و ما تفرضه من تحديات”، صندوق النقد الدولي، 20 سبتمبر 2021.
الرابط: https://www.elibrary.imf.org/view/journals/087/2021/019/article-A001-en.xml
[36]البنك الدولي، “الدراسة التشخيصية المنهجية عن تونس: إعادة بناء الثقة والوفاء بالتطلعات من أجل المزيد من الرخاء والشمول”، البنك الدولي، مجموعة البنك الدولي، سبتمبر 2022، ص 37.
[37] نسبة الإعالة، موقع الأمم المتحدة الإلكتروني.
الرابط: https://www.un.org/esa/sustdev/natlinfo/indicators/methodology_sheets/demographics/dependency_ratio.pdf
[38] مقوع ترايدينغ ايكونوميكس Trading Economics، تونس: نسبة الإعالة العمرية / إعالة كبار السن (٪ من السكان في سن العمل).
الرابط: https://tradingeconomics.com/tunisia/age-dependency-ratio-old-percent-of-working-age-population-wb-data.html
[39] موقع اليونيسيف الإلكتروني، “صحيفة وقائع جیل 2030 في منطقة الشرق الأوسط وشمال افریقیا ـ تونس”، صحيفة وقائع جیل 2030 في منطقة الشرق الأوسط وشمال افریقیا، اليونيسيف UNICEF .
الرابط: https://www.unicef.org/mena/media/4251/file
[40] فرانسيس غيلاس، “انحراف تونس الخطير”، منصّة أوبن ديموكرسي Open Democracy، 1 جويلية 2015.
الرابط: https://www.opendemocracy.net/en/tunisias-dangerous-drift/
[41] موقع ماكرو ترندز Macro Trends، معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لتونس 1966 ـ 2023.
الرابط: https://www.macrotrends.net/countries/TUN/tunisia/gdp-growth-rate
[42] هاشمي عليّة، كتاب “النموذج التونسي: إعادة بناء الاقتصاد لترسيخ الديمقراطية”، منشورات دار نقوش عربية، 2018.
[43] ماسيميليانو كالي ومحمد حبيب زيتونة، “إصلاح دعم الطاقة من أجل تونس أكثر استدامة”، المرصد الإقتصادي ـ تونس، مجموعة البنك الدولي، مارس 2023.
الرابط: https://documents1.worldbank.org/curated/en/099027303282327910/pdf/IDU0ccc8fcf90d7670472a0a69703bf2d7931cb7.pdf
[44] إيمان اللواتي، “تونس ـ موقع مؤسسة روزا ليكسمبورغ”، مؤسسة روزا ليكسمبورغ ـ مكتب شمال إفريقيا، أوت 2022.
الرابط: https://rosaluxna.org/wp-content/uploads/2022/08/Transition-Energetique_eng-29-11-22.pdf
[45] “مسح للتطورات الاقتصادية في تونس 2022″، منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، مكتبة منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي الإلكترونية، باريس، 4 أفريل 2022.
الرابط: https://www.oecd-ilibrary.org/economics/oecd-economic-surveys-tunisia-2022_7f9459cf-en
[46] الرابط: https://www.tunisievaleurs.com/documents/Etude_sur_le_secteur_bancaire_cote_Septembre_2022.pdf
[47] هاشمي عليّة، كتاب “النموذج التونسي: إعادة بناء الاقتصاد لترسيخ الديمقراطية”، منشورات دار نقوش عربية، 2018.
[48] الرابط: https://www.arabnews.com/node/2290751/middle-east