من الاستعمار إلى الشنغنة Schengenisation
من الاستعمار إلى الشنغنة Schengenisation
لمحة تاريخية اجتماعية عن الهجرات من المغرب العربي إلى أوروبا
مقدمة
نحن لا ندعو إلى الاعتراف بالحقوق أو إلى إدماج المستعمرات السابقة في إمبراطورية ما بعد الاستعمار عند دراستنا للمنعطف ما بعد الاستعماري الذي أفضى إلى ظهور شخصية المغترب L’immigré بعد بضعة عقود من استقلال بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط. بل يتمثّل الهدف من هذا المقال الذي يتناول جينيالوجيا (علم أنساب) الحدود في شكلها الأوروبي المعاصر في إظهار كيف أن ما يبدو في ظاهره إنسانيا وتنظيميّا ومعزّزا للاندماج والتنوع هو في الواقع سياسة حدودية غير مضيافة تعي حجم الامتيازات المتراكمة منذ الحقبة الاستعمارية. وتختار السياسة الحدوديّة من خلال دمج المجتمعات الأوروبية في مثل هكذا مجتمع غير مضياف في مرحلة ما بعد الاستعمار دفع سكان الجنوب إلى الهامش وإلى الجمود ومنع التنقّل Immobilité ، بغض النظر عن الأنظمة الاستبدادية الجديدة التي تحكم تلك الشعوب في مرحلة ما بعد الاستعمار.
ولقد نبّه مثقّفون مثل فرانتز فانون وعلماء اجتماع ملتزمون من قبيل عبد المالك صياد منذ نهاية الحقبة الاستعمارية من هذه الحيلة التاريخية التي تميز البيئات وريثة هذا الفكر الاندماجي الذي أضحى أداة في السعي للاعتراف، ممّا يعمّق من فصل المجتمعات المحظوظة المالكة للامتيازات عن المجتمعات الأخرى التي تمّ استغلالها. وستكون مقاربتنا للموضوع إلى ذلك مقاربة سوسيولوجية وسياسية في آن واحد من خلال إحياء مناهج التقليد الفانوني والأنثروبولوجيا السياسية. ومن ثمّ، فإننا نهدف إلى إظهار تداخلات الهيمنة ما بعد الاستعمارية في الحواضر [الاستعمارية] السابقة في توظيف الحدود كسلاح ضد المستعمرات السابقة ومجتمعاتها المدنية، فضلاً عن التحولات الطارئة على الذاتيات نتاجًا لذلك.
ويعني الإعراض عن مثل هذه القضايا من خلال الإصرار على أبعاد إنسانويّة من قبيل ”الاندماج“ التغاضي عن الحق في حرية التنقل وخطر تشظّي [ذات] المغترب من وجهة نظر مجتمعه الأصلي، ونزع الطابع الذاتي والتفجّر الذي يهدد مجتمع المنشأ المُعَرّض لسياسة الحدود بصورة أعمّ. كما يعني ذلك بمختصر القول تجاهل ما تعنيه الهجرة من حيث ظروف الاستقرار وحظر التنقل، وبشكل أعم، رغبة الغرب القائمة على سياسات الهجرة المرتكزة على اختيارات اقتصادوية وقانونية. ونتيجة لذلك، لا تمهّد هذه المحاولة لتعرية المنطق الاستعماري الجديد الذي يستمدّ قوة قمعية من سياسات الحدود الطريق للنضالات الداخلية للمجتمعات في الجنوب. وهي نضالات ضرورية إذا ما أردنا الخلاص من وضعنا هذا، إذ تعني تفادي ثنائية الداخلي والخارجي من خلال إظهار تداخل المنطقين اللذين يؤديان إلى الوضع الراهن.
وبعيدا عن الاحترازات المنهجية والابستيمولوجية، فتستمدّ الضرورة الملحة للتحقيق في الاستمرارية التي تنتهجها السياسات والنّظم الحدودية علّة وجودها الأخلاقي من الحاجة إلى تحديد المسؤولية عن الجرائم التي ترتكب بواسطة هذه السلطة المعاصرة. وإن للموت في المناطق الحدودية تاريخا يبتدئ بوضوح مع [بدء العمل] بأنظمة مثل تأشيرة شنغن التي تدمج بعض الأشخاص (مواطني أوروبا) وتفكّك المجتمعات المعرضة للموت والاختفاء، كما في حالة ما يسمى بالمهاجرين غير النظاميّين. ولهذه الأنظمة تاريخ يستند في امتداده إلى هيمنة سابقة، أي الاستعمار. كما أنّ لديها فاعلين ومتحدثين وناشطين ومساحات لإنتاج خطاب عنصري معادٍ للأجانب. ويتعيّن علينا من هذا المنطلق فهم كيفية تجلّي الحدود ومعالمها وآثارها من أجل طرح أفضل للمشكلة وللانخراط في النضالات المعاصرة والمستقبلية التي يخوضها الأفراد والمجتمعات التي تواجه [تلك الأنظمة الحدوديّة].