المنشورات

قطاع المياه المعدنية في تونس

بحث من قبل نوماد 08/ المرصد التونسي للمياه
تحميل المنشور

لقد إستطاع العلم الحديث تحديد كمية المياه الجوفية العذبة في العالم التي تعد أكبر بكثير من تلك المتوافرة فوق سطح الأرض، فالمياه الجوفية تمثل ما يقرب من 98 % من مجموع المياه العذبة في العالم بإستثناء الجبال الجليدية، في حين لا تزيد المياه العذبة والممثلة بالأنهار والبحيرات العذبة والجداول والسحب الموجودة في الغلاف الجوي عن 2 %. وتمثل المياه الجوفية أيضاً ما يقارب 6.0% من مجموع المياه الموجودة على الكرة الأرضية متضمنة مياها عذبة ومالحة. والجدير بالذكر هنا أن المياه الجوفية قد تكون متجددة وجارية تحت سطح الأرض مكونة شبكة من المجاري والأنهار التي تحافظ المياه فيها على منسوبها بالرغم من الأخذ المستمر منها بسبب تغذيتها الدائمة بمياه الأمطار التي تسقط بصفة دائمة أو عن طريق مياه الأنهار والبحيرات التي تتخلل التربة وتصل إلى هذه الموارد الجوفية، أو قد تكون المياه الجوفية غير متجددة فيقل منسوبها تدريجياً حسب ما يستهلك منها. وتكون هذه المياه غالباً مياهاً جوفية تجمعت في باطن الأرض في قرون سابقة وعصور ممطرة إلا أنها غير متصلة بمصادر تغذية سطحية أو جوفية، وتكون صفاتها متميزة عن بقية المياه الجوفية نتيجة وجودها في طبقات جيولوجية عميقة منذ أزمان عديدة نذكر من هذه الصفات إرتفاع درجة حرارتها وزيادة محتواها من الأملاح والغازات المنحلة وتسمى المياه المعدنية الحارة. لا تحتاج المياه الجوفية أحياناً لحفر الآبار لظهورها، فقد تتفجر على هيئة عيون أو ينابيع نتيجة لزيادة الضغط عليها في باطن الأرض أو ضغط القشرة الأرضية في هذا المكان فتتدفق المياه عبر التصدعات والشقوق على هيئة نبع إرتوازي أو يقل الضغط فتسيل المياه المتدفقة على سطح الأرض على هيئة سواقي تنحتها وتشقها هذه المياه التي قد تكون ساخنة مستمدة حرارتها من الحرارة المرتفعة لباطن الأرض أو نتيجة قربها من أماكن ذات أنشطة بركانية أو تكون باردة نتيجة خروجها من طبقات قريبة من سطح الأرض.[1]

كما يعتبر الطابع المناخي الجاف والشبه جاف المرتبط بالموقع الجغرافي للبلاد عاملا مؤثرا على توزع الموارد المائية السطحية خاصة والمتغيرة حسب الفصول وحسب المناطق، حيث أن معدل كمية الأمطار في السنة لا يتجاوز 100 مم في أقصى الجنوب وقد يتجاوز 1500 مم في أقصى الشمال الغربي.

ويبلغ إجمالي موارد المياه السطحية 2,700 مليون متر مكعب وتتوزع بين مجمعات المياه الرئيسية في البلاد حيث يغطي الشمال حوالي 26% من إجمالي مساحة البلاد، ويوفر المياه السطحية المنتظمة وذات الأهمية والتي تم تقديرها بـ2,190 مليون متر مكعب من الأحواض الرئيسية لنهر مجردة (1000 مليون متر مكعب/ السنة)، وأقصى الشمال (585 مليون متر مكعب/ السنة)، وإشكل وبنزرت (375 مليون متر مكعب/ السنة) والرأس الطيب ووادي مليان (230 مليون متر مكعب /السنة). وتغطي المنطقة الوسطى نفس مساحة المنطقة الشمالية وتوفر موارد سطحية غير منتظمة تقدرب 320 مليون متر مكعب في السنة من أودية حوض نبهانة ومرق الليل وزرود وساحل سوسة وصفاقس. ويغطي الجنوب حوالي 62% من المساحة الكلية للبلاد، وهو أفقر منطقة من حيث المياه السطحية وفيه موارد غير منتظمة للغاية. ويوفر الجنوب 190 مليون متر مكعب في السنة أي 7% من إجمالي المياه السطحية في البلاد من الشطوط وحوض الجفّارة.

كما ترتبط موارد المياه الجوفية في تونس بطبقات المياه الجوفية الضحلة والعميقة، بما في ذلك الاحتياطيات المتجددة، والمتجددة بشكل ضعيف أو الأحفورية. يقدر إجمالي الاحتياطيات القابلة للإستغلال بحوالي 2,100 مليون متر مكعب، موزعة بكثرة في جميع أنحاء البلاد. وتتكون هذه من 1,486 مليون متر مكعب من الموارد المتجددة، والتي تمثل حوالي 69,6% من إجمالي المياه الجوفية المحتملة، و650 مليون متر مكعب من الموارد المتجددة الضعيفة، والموجودة بشكل أساسي في الجنوب وتمثل 30,4% من إجمالي المياه الجوفية المحتملة. تتوفر موارد المياه الجوفية المتجددة بنسبة 55% في شمال البلاد، و30% في الوسط و15% في الجنوب من إجمالي موارد المياه الجوفية المتجددة المحتملة.

ومع ذلك، تتوفر طبقات المياه الجوفية العميقة بشكلٍ أكبر في الجنوب، مع إحتمالية توفر بنسبة 58%، وإلى حد ما في الوسط والشمال، بنسب 24% و18% على التوالي. ورغم أن موارد المياه الجوفية مهمة في الجنوب، إلا أن إستخدامها لا يزال محدوداً، ويرجع ذلك أساسا إلى إنخفاض جودة المياه.[2]

كما تزخر البلاد التونسية بمخزون مياه معدنية هام موزع على كامل تراب الجمهورية في شكل عيون وحفريات تمّ حصر إلى حد الآن ما يزيد عن 100 منبع، منها مياه باردة درجة حرارتها أقل من 25 درجة تستغل في التعليب ومياه ساخنة تفوق درجة حرارتها 25 تستغل لتزويد الحمامات والمحطات الاستشفائية. وتعتبر المياه المعدنية المياه التي تحتوي جزيئاتها على كمية وافرة وكبيرة من الغازات والمعادن الذائبة. وغالبا ما تحتوي المياه المعدنية الطبيعية الصادرة من الينابيع والآبار على نسبة عالية جداً من الغازات مثل: كربونات الكالسيوم، وكبريتات المغنيسيوم، وكبريتات الصوديوم، والبوتاسيوم، كما أن المياه المعدنية الطبيعية تكون مشبعة بغاز ثاني أكسيد الكربون وغاز كبريتيد الهيدروجين. ومع تطور العلم وأساليب التكنولوجيا أصبح من الممكن إنتاج المياه المعدنية صناعيا وذلك عن طريق إشباع المياه المقطرة بغاز ثاني أكسيد الكربون وإضافة الأملاح إليها.

وتعتبر المياه المعدنية، مياه نابعة من الآبار أو العيون ، مختلفة الطعم والرائحة وحتى درجات الحرارة وقد تختلف في تركيبها تبعا للخصائص الجيولوجية ومناخ المنطقة القادمة منها، ويمكن تسميتها أيضاً بالمياه الغازية، نظرا لوجود عدة أنواع للغازات فيها كغاز ثاني أكسيد الكربون، وغاز كبريتيد الهيدروجين، كما أنها تحتوي على مجموعة من المواد المعدنية والأملاح. وتنقسم المياه المعدنية إلى:

–  مياه طبيعية: نابعة من الطبقات الهيدروجيولوجية العميقة، محمية من التلوث، يتم تعبئتها بزجاجات مخصصة للبيع، حيث تصنف إلى ماء معدني غازي، وماء معدني غير غازي لا يحتوي على غاز الكربون.

– مياه الآبار: المستخرجة كذلك من الموائد الجوفية والتي تصبح فوّارة عن طريق تزويدها بثاني أكسيد الكربون.

-مياه علاجية: تحتوي على كمية الأملاح نفسها الموجودة في المياه الطبيعية، حيث يتم إستخدامها في تخفيف بعض الأمراض وعلاجها.[3]
وبهذا فإن المياه المعدنية موجودة على نوعين وهما:

المياه المعدنية الطبيعية والمياه المعدنية الصناعية، حيث تختلف نسبة المواد المعدنية الموجودة في المياه المعدنية الطبيعية عنها في المياه المعدنية الصناعية بفارق كبير، وفي بعض الأحيان قد تكون نسبتها أقل من تلك الموجودة في مياه الحنفية العادية.

ويعرف الماء المعدني الطبيعي بأنه ماء سليم مكروبيولوجيا يصدر من طبقة ماء جوفية تستغل من مخرج أو عدة مخارج طبيعية أو محفورة بالقرب من وحدات معالجتها. يتميز هذا الماء بوضوح عن المياه الأخرى الموجهة للإستهلاك البشري بطبيعته، من حيث نقاوته الأصلية وتركيبته الخاصة والمستقرة من الأملاح المعدنية أو المواد الضرورية أو مكونات أخرى .

ويجب التركيز في هذا الإطار على مصطلحي “خاص ومستقر والّلذان يفرضان أن:

خاص: لا تتم إضافة أي مادة للمياه المعدنية.

مستقر: مكوناته من الأملاح المعدنية هي نفسها على مدى طويل.

أما بالنسبة للبلاد التونسية فتتميز بنوعية المياه المعدنية الباردة التى تعرف بكونها مياه مصدرها منبع طبيعي أو حفرية، تكون درجة حرارتها أقل من 25 درجة، وتتميز بنقاوتها الطبيـــعية، وإحتوائها على عناصــــر معدنية غنية تستغل من طرف وحدات تعليب المياه.

كذلك المياه المعدنية الساخنة بكونها مياه مصدرها منبع طبيعي أو حفرية وتتجاوز درجة حرارتها 25 درجة، علاوة على أن  تركيبتها الفيزيوكيميائية تبقى مستقرة رغم تغير العوامل المناخية وتتميز بخصائص علاجية ثابتة ويتمّ إستغلالها بغاية الإستشفاء سواء كان ذلك في المحطات الإستشفائية العصرية  أو في الحمامات الإستشفائية التقليدية.

وتنتمي كل المياه المعدنية بتونس إلى صنف “فادوس” ويرتبط وجود وطبيعة منابع المياه المعدنية بجيولوجيا الأرض بحيث أن نفاذ وتسرب المياه المعدنية التصاعدي يرتبط عادة بالعوارض الجيولوجية التكتونيكية في القشرة الأرضية، أما سخنتها الكيميائية فهي مرتبطة بنوعية الأرض التي تتسرّب منها.[4]

وحيث يعود إستغلال أوّل وحدة للمياه المعلبة في تونس إلى سنة 1904 وقد ظل الإستغلال والتصرف في وحدات تعليب المياه تحت تصرف شركات عمومية إلى حدود سنة 1989 تاريخ فتح القطاع أمام الإستثمار الخاص. وتبعا لذلك شهد القطاع تطورا هاما كما وكيفا تترجمه الإحصائيات المتوفرة، كما تشكلت تقاليد المنافسة وشهد القطاع نموا تصاعديا في عدد وحدات تعليب المياه المعدنية الذي مر من 5 وحدات خلال سنة 1985 إلى 29 وحدة في سنة 2020. أما بالنسبة للعلاج بالمياه المعدنية فيعود تاريخه إلى 3000 قبل الميلاد حيث كرس الرومان أنفسهم لعبادة الماء  وإهتموا بشبكات المياه وكانت الحمامات الساخنة تتميز بضخامة المساحة التي تستخدم للأغراض الطبية فهي تمثل أماكن عامة تحتوي أجمل المنحوتات واللوحات والتماثيل وتعد مظهرا من مظاهر الترف. كما كان العلاج بالمياه مصدر الجمال عند الإغريق وتمثل الحمامات ثروة لكل مدينة وهذا ما دلت عليه الآثار الهائلة للحمامات والمعابد. ويعود إستعمال المياه المعدنية  بالبلاد التونسية إلى أقدم العصور حيث برز اليونانيون الأوائل في هذا المجال ومن تقاليدهم حسب المؤرخين تقديمهم الهدايا والقرابين وإقامة الولائم تقربا وتقديرا وعرفانا لآلهة المياه المعدنية الساخنة والطب [5].

إن هجرة التونسيين اليوم إلى إستعمال المياه المعدنية لغرض الشرب تضعنا أمام ضرورة البحث خاصة لما نلاحظه من تطور كبير لنسبة الإستهلاك الذي جعل من البلاد التونسية تحتل المراتب الأولى عالميا.

لذلك سوف نحاول من خلال هذه الدراسة التحليلية لقطاع المياه المعدنية، إبراز مكونات المنظومة الإستشفائية التي طالما تميزت بتدني خدماتها رغم إرتفاع الطلب عليها، كذلك التأثير الإقتصادي للمياه المعدنية المعلبة على استهلاك الفرد الذي فرض عليه الواقع شراءها رغم محدودية الأجور، لتتحول المياه المعدنية من حل لدى البعض لمجابهة تدني مياه الحنفية من جهة، إلى معضلة التلوث البيئي مقابل غياب وتذبذب للإطار التشريعي والمؤسساتي للحد من هذه الإشكاليات من جهة أخرى.

[1]تقرير عن دراسة علمية مكتبية قسم الوقاية والأمان، الجمهورية العربية السورية 2007 محمد سعيد المصري،

[2] https://essada.net   أزمة المياه في تونس، الصحيفة الالكترونية الصدى،2021

[3] E3arabi المياه المعدنية https://e3arabi.com/?p=3378

[4] الديوان الوطني للمياه المعدنية والاستشفاء بالمياه

[5]الديوان الوطني للمياه المعدنية والاستشفاء بالمياه، تاريخ الإستشفاء بالمياه في تونس