حرب مصر على المهاجرين
تستمر السلطات المصرية في تنفيذ عمليات ترحيل المهاجرين جماعيا إلى السودان، في حين قد يشكل قانون اللجوء الجديد سابقة في شمال أفريقيا
تمضي مصر حاليا قدماً في اعتماد قانون للجوء، وعلى الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان سيتم اعتماده بالفعل، إلا أن وضع الأشخاص المتنقلين في مصر من المرجح أن يظل كارثيًا في كلتا الحالتين. إذ يواصل النظام المصري التعامل مع وصول اللاجئين السودانيين من خلال عمليات ترحيل جماعي إلى البلد الذي تمزقه الحرب. وفي غضون ذلك، يقوم الاتحاد الأوروبي مجددًا بتوسيع نطاق تعاونه مع القاهرة في مجال الهجرة والشراكة العسكرية، إلى جانب دعم الاقتصاد المصري المتأزم عبر القروض والمنح، بهدف الحد من وصول الأشخاص غير النظاميين إلى جزيرة كريت اليونانية، ولكن أيضًا من أجل إبقاء نظام السيسي منضبطا نظرا للدور الذي يضطلع به في تدمير إسرائيل لغزة.
في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2024 وأمام اندهاش العديد من المراقبين، وافقت لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب المصري -وهو إحدى غرفتي البرلمان- على مشروع قانون اللجوء، قبل أن يوافق عليه البرلمان بعد أسابيع قليلة من ذلك. وكانت الحكومة قد صاغت التشريع المثير للجدل منذ عام 2023 لكن لم يُكشف عن فحواه حتى شهر أكتوبر/تشرين الأول.
يمهد مشروع القانون لنقل عملية تحديد وضع اللاجئ (RSD) من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) إلى أيادي الحكومة المصرية – مع ما قد يترتب عن ذلك من عواقب متشعّبة. يوضح محمد لطفي، مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات (ECRF) ومقرها القاهرة، لمؤسسة روزا لوكسمبورغ: «لا يزال من غير الواضح كيف سيؤثر القانون على إجراءات اللجوء في مصر». ويضيف: «من المقرر أن يتم إحالة مهام التسجيل وتحديد وضع اللاجئ والحماية من مفوضية اللاجئين إلى لجنة حكومية دائمة جديدة تعنى بشؤون اللاجئين، ولكن لا يوجد وضوح على الإطلاق حول شكل الفترة الانتقالية أو ما هو دور المفوضية بالضبط بعد اعتماد القانون».
وعلى الرغم من مصادقة مصر، منذ عام 1981، على اتفاقية جنيف للاجئين لعام 1951، إلا أن مهمة معالجة طلبات اللجوء في البلاد ومنح الأشخاص صفة لاجئ وإصدار بطاقات الهوية الخاصة بهم وتقديم المساعدة الطارئة للاجئين وطالبي اللجوء – على الأقل على الورق – لا تدخل في اختصاص الدولة المصرية ذاتها بل يضطلع بها الفرع المصري للمفوضية الأممية للاجئين. في سنة 1954، وافقت السلطات المصرية في إطار مذكرة تفاهم مع المفوضية، على اعتبار بطاقات الهوية الصادرة عن الأخيرة إثباتاً للهوية والامتناع بناءً على ذلك عن ترحيل الأشخاص الحاملين لتلك البطاقات. ومع ذلك، يُحرم الأشخاص المسجلون لدى المفوضية من الوصول إلى التعليم ومنظومة الصحة العامة وسوق العمل الرسمي.
بعبارة أخرى وكما صاغته ورقة بحثية من إنجاز باحثتي الهجرة الدكتورة جيردا هيك وإيلينا هابرسكي من الجامعة الأمريكية بالقاهرة: «عموما لا تكترث الحكومة بشؤون اللاجئين وحياتهم إلا إذا تعلق الأمر بقضايا أمنية». ولكن إذا ما تمت المصادقة على مشروع الحكومة الحالي، فلا شك بأن ذلك سيتغير.
إضفاء الطابع الرسمي على الترحيل
يمنح مشروع القانون في صيغته الحالية وللمرة الأولى اللاجئينَ الحق في التعليم والنفاذ إلى سوق العمل. ومع ذلك، يحذّر مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، لطفي، من أن «القانون يبدو أنه يعطي الأولوية للاعتبارات الأمنية على حماية اللاجئين، مما قد يقوض الحق في اللجوء». ويضيف: «يحتوي النص على أحكام فضفاضة الصياغة تتعلق بـ’الأفعال التي قد تمس بالأمن القومي أو النظام العام’. وتُسنِد هذه الصياغة الفضفاضة إلى اللجنة الجديدة المسؤولة عن تحديد وضع اللاجئ سلطةً تقديريةً واسعة، مما قد يفتح الباب أمام الرفض التعسفي».
فعلى سبيل المثال، يسمح مشروع القانون للسلطات باحتجاز طالبي اللجوء إلى حين صدور قرار بشأن طلبهم، وترحيلهم في حال الرفض. كما أنه يُدرج في القانون المصري مصطلح ”العودة الطوعية“ المضلل، الذي يروج له الاتحاد الأوروبي والمدافعون عن نظام الحدود. ومن خلال التصديق على مشروع القانون، سيُسمح بمثل هذه ”العودة الطوعية“ إلى ”البلد الأصلي“ أو ”الإقامة المعتادة“ للشخص. كما تضفي أحكام القانون، بحكم الأمر الواقع، الطابع الرسمي على ممارسات السلطات في احتجاز وترحيل الأشخاص المتنقلين والتي تنتهك القانون الدولي. ويحظر القانون أيضاً على اللاجئين الانضمام إلى النقابات، كما يبدو أنه يهدف كذلك إلى تجريم أي شكل من أشكال الناشطية التي قد يقوم بها اللاجئون، مثلما يشير موقع مدى مصر.
هذه الأحكام الأخيرة ليست مثيرة للاستغراب نظراً لخشية السلطات من أي شكل من أشكال التنظم الذاتي أو الاحتجاج. في السنوات الأخيرة، احتشد لاجئون وطالبو لجوء خاصة من الإريتريين والسودانيين مرارًا أمام مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مدينة السادس من أكتوبر في ضواحي الجيزة، احتجاجًا على ممارسات المفوضية الأممية في الاعتراف باللجوء، ومطالبين بتحسين ظروفهم المعيشية. فقامت الشرطة المصرية بقمع تلك الاعتصامات بعنف، بينما تمثل رد قطاع الأمن الوطني في الترهيب والتهديد والاستدعاءات ضد النشطاء السودانيين.
التوقعات بشأن مشروع قانون اللجوء هذا لا تبعث على التفاؤل. إذ من شأن مثل هذا القانون أن يمنح العديد من الأشخاص المقيمين بشكل غير نظامي في البلاد أملاً في الخروج أخيراً من وضعهم غير المستقر. غير أن الأستاذة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، البروفيسور هيك، تقول «من ناحية أخرى، لا يكاد أحد يتوهم أن قانون اللجوء سيحسن بشكل جدي من الظروف المعيشية للاجئين». بينما هناك أصوات أخرى أكثر وضوحًا، مثل ما أكده موظف في إحدى المنظمات غير الحكومية فضل عدم الكشف عن هويته، بأن مثل هذا القانون سينتهي بـ”كارثة“ لأن الدولة لا تملك الخبرة ولا القدرة على إدارة إجراءات اللجوء بشكل مناسب. ومن جانبها، دعت المفوضية المصرية للحقوق والحريات في ورقة سياسات إلى مراجعة المسودة، معتبرةً أن المراجعة يجب أن تكون شاملة للتأكد من توافق القانون مع اتفاقية جنيف.
حصان طروادة؟
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان النظام يعتزم فعلاً إقرار القانون أم أنه ينوي فقط الاقتداء بالمغرب واستخدام هذا الإجراء كوسيلة للضغط على الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تحويل هوس بروكسل بتصدير مراقبة الحدود الأوروبية إلى شمال أفريقيا، إلى ورقة ثمينة في المحادثات الثنائية. وقد بدأت الحكومة المغربية بالفعل في صياغة مثل هذا القانون في عام 2014، ولكنها لم تصادق عليه أبدًا على الرغم من إعداد مسودتين. أما في تونس، فقد تمت صياغة مشروع قانون للجوء في عام 2017، ولكن بالمثل لم يتم تمريره إلى البرلمان من أجل التصويت. في تركيا، من ناحية أخرى، دخل قانون اللجوء حيز التنفيذ في عام 2014 في سياق المصالح القومية والجيوسياسية للحكومة التركية، وفي إطار الصفقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي التي لا توفر بحسب المنتقدين حمايةً كافية للاجئين، بل تلغي تدريجياً المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كسلطة قرار فيما يتعلق بوضع اللاجئين.
في الحالة المصرية، كلا المسارين ممكن. لا يزال يتعين على الرئيس عبد الفتاح السيسي المصادقة على مشروع القانون قبل دخوله حيز التنفيذ. وينص مشروع القانون على ضرورة صدور قرار من رئيس الوزراء قبل بدء العمل بإجراءات اللجوء الوطنية لتحديد الإطار الإداري والتشغيلي للجنة. وفي ظل هاتين الخطوتين المعلقتين، لا يزال أمام الحكومة المصرية فسحة من الوقت لتأخير تنفيذ أحكام القانون والمطالبة بمقابل من أوروبا.
يحاول الاتحاد الأوروبي منذ سنوات إقناع ما يسمى ”دول العبور“ في شمال أفريقيا باعتماد قوانين تنظم اللجوء، وقد دعم عمليات صياغة تشريعات من هذا القبيل في تونس والمغرب ومصر. حيث عقد كل من الفرع المصري لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووكالة الاتحاد الأوروبي للجوء (EUAA)، على مدى سنوات، ورشات عمل وتدريبات مع المسؤولين المصريين حول قوانين اللجوء وإدارته. ومن المحتمل أن تسمح مثل هذه القوانين لدول الاتحاد الأوروبي بترحيل الأشخاص الذين دخلوا الاتحاد الأوروبي بطريقة غير نظامية إلى شمال أفريقيا وبالتالي تصدير إجراءات اللجوء إلى خارج الاتحاد. كما من شأن مصادقة مصر على هكذا قانون أن يشكل سابقة في شمال أفريقيا، لكن من المرجح أن تتفادى الحكومة المصرية تحويل البلاد إلى وجهة لعمليات الترحيل القادمة من الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن القاهرة بدلاً من ذلك تحاول من خلال طرح مشروع القانون، أن تطيح بالمفوضية الأممية باعتبارها سلطة الفصل في من يحصل على وضع اللاجئ في مصر.
العصا والجزرة
تواصل السلطات الشرطية والعسكرية المصرية في الأثناء اتخاذ إجراءات متشدّدة ضد المهاجرين واللاجئين الوافدين حديثًا إلى مصر. وينتهج النظام المصري نهج العصا والجزرة في استجابته للحرب القائمة بين الجيش السوداني وميليشيا قوات الدعم السريع (RSF)، والتي زودها الاتحاد الأوروبي لفترة ما بالمعدات لتكثيف السيطرة على الهجرة في السودان. في عام 2023، بُعيد اندلاع الحرب، انتشرت حملة تشويه ضد اللاجئين في وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، أجمعت مصادر متعددة خلال مقابلاتنا في القاهرة على أنها كانت منسّقة. كما تم إطلاق دعوات للترحيل الجماعي أو مقاطعة الأعمال التجارية التي يديرها اللاجئون. وزعم أحد النواب المصريين أن البلاد تشهد ”غزوًا“ من المهاجرين غير النظاميين، وهو ما يتوافق مع حملة التشويه التي شُنت ضدهم العام الماضي.
بالتزامن مع ورود تقارير في منتصف عام 2023 عن بعض عمليات الترحيل إلى السودان، أطلقت الحكومة المصرية بشكل مفاجئ في سبتمبر/أيلول 2023 حملةً لتسوية أوضاع المقيمين، داعيةً الأشخاص الذين دخلوا البلاد بشكل غير نظامي أو الذين لا يحملون تأشيرة سارية المفعول إلى تسوية أوضاعهم. ووعَدَت المبادرة بمنحهم وضعاً قانونياً مقابل دفع مبلغ 1,000 دولار أمريكي. ومنذ ذلك الحين، اكتظت مصلحة الأجانب والتأشيرات في العباسية شرق القاهرة بالأجانب. واضطر الراغبون في تسوية أوضاعهم في بعض الأحيان إلى الانتظار لفترات قد تصل إلى ستة أشهر من أجل الحصول على مواعيد. لكن السلطات شددت في نفس الوقت إجراءات منح التأشيرات ودخول الأشخاص القادمين من السودان وسوريا، وكثفت من عمليات الترحيل إلى كلا البلدين.
منذ انتهاء حملة تسوية أوضاعهم في يونيو/حزيران 2024 والتي دامت عاما واحدا، دبّ الذعر في جميع أنحاء مصر، على غرار ما حدث خلال موجة الاعتقالات والترحيلات الأخيرة في 2023، بحسب موظف في إحدى منظمات الإغاثة في القاهرة. وكانت الشرطة قد بدأت في عام 2023 في شن مداهمات ممنهجة واعتقالات جماعية وعمليات ترحيل، خصوصا إلى السودان. لكن منذ منتصف عام 2024 ساد نوع من حالة الطوارئ إذ لم يجرؤ كثيرون من الأشخاص المتنقلين على مغادرة منازلهم خوفًا من الاعتقال، وفقًا لأحد عمال الإغاثة الذي طلب عدم الكشف عن هويته. أطلقت السلطات سراح العديد من المعتقلين بعد ثلاثة أسابيع من احتجازهم بعد إجراء فحص أمني، في حين طُرد آلاف آخرون إلى السودان.
ووفقًا لأرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تم ترحيل أكثر من 5,000 شخص إلى السودان بين أبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول 2023، منهم 3,000 شخص في سبتمبر/أيلول وحده. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، تم ترحيل 1,600 شخص آخر قسراً إلى البلد الممزق بالحرب، بما في ذلك لاجئون معترف بهم. كما تم ترحيل 800 شخص آخر بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2024، في حين تؤكد التقارير الصحفية ترحيل 700 شخص في يونيو/حزيران. ومن المرجح أن يكون عدد الحالات التي لم يُبلغ عنها أعلى بكثير، حيث يتم الآن اعتقال اللاجئين من قبل الشرطة أو الجيش فور عبورهم الحدود الجنوبية لتتم مصادرة هواتفهم بشكل ممنهج، ثم اقتيادهم لاحقاً إلى الحدود في قوافل حافلات بعد أسابيع يقضونها في الاحتجاز في مراكز الشرطة أو معسكر الشلال في أسوان تحت إدارة وحدة مكافحة الشغب التابعة لقوات الأمن المركزي، أو في منشآت عسكرية مرتجلة. وتشهد عمليات العبور الحدودية غير النظامية الخطيرة من السودان إلى مصر تزايدًا في حالات الوفاة.
هجوم أوروبا المغري
بالنسبة للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، تظل الحرب في السودان السبب الرئيسي لتكثيف إجراءات مراقبة الهجرة والتعاون العسكري مع نظام السيسي. فوفقًا لبيانات الأمم المتحدة، نزح أكثر من 11.6 مليون شخص في جميع أنحاء السودان منذ بداية الحرب في عام 2023، منهم 1.2 مليون شخص على الأقل فروا إلى مصر. وقد تضاعف عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين لدى فرع المفوضية الأممية في مصر بأكثر من الضعف خلال عام واحد ليبلغ 800,000 شخص، بينما تضاعف عدد السودانيين المسجلين لدى الأمم المتحدة ثلاث مرات تقريبًا ليصل إلى 513,000 شخص (إلى حدود أكتوبر/تشرين الأول 2024). وقد أنهت المفوضية هذه السنة إجراءات تحديد وضع اللاجئ لـ9,000 متقدم فحسب، بينما تمت إعادة توطين 3,630 شخص من مصر إلى بلد ثالث آمن، مقارنة بـ863 شخص فقط في العام السابق. ويظل اللاجئون من السودان ودول أخرى عالقين بشكل أساسي في مصر بينما يبذل الاتحاد الأوروبي كل ما في وسعه لإبقاء الأمر على هذا النحو.
وكجزء من سياسة احتواء الهجرة متخفّية تحت قناع المساعدات الإنسانية، قدم الاتحاد الأوروبي 25 مليون يورو في عام 2023 كتمويل دعم للأشخاص الأكثر احتياجًا للحماية والفارين من السودان، مع تكثيف المحادثات مع مصر بشأن حزمة مساعدات اقتصادية شاملة. وفي مارس/آذار 2024، سافرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى القاهرة مع رؤساء حكومات اليونان وقبرص وإيطاليا والنمسا وبلجيكا لتوقيع صفقة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو مع مصر، تتألف من قروض ومنح واستثمارات وتمويل لمشاريع إدارة الحدود بقيمة 200 مليون يورو. ويربط الاتفاق ثانيةً بين قضايا الهجرة والتنمية، ويهدف إلى تمهيد الطريق لتعاونٍ مكثّف بين السلطات المصرية ووكالات الاتحاد الأوروبي على غرار وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء واليوروبول وفرونتكس.
تسعى كل من بروكسل وروما وأثينا إلى تثبيت استقرار النظام والاقتصاد المصرييْن المتأزّميْن مهما كان الثمن، وخلق حوافز للقاهرة للاندماج بشكل أكثر شمولية في منظومة مراقبة الحدود الأوروبية التي تواصل تقويض حقوق الإنسان الدولية وقانون اللاجئين بشكل منهجي داخل الحدود الأوروبية وخارجها. ومن هذا المنطلق، يسعى الاتحاد الأوروبي حاليًا إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية في مصر: منع اللاجئين السودانيين من مواصلة رحلتهم إلى أوروبا، وإغلاق طريق الهجرة بين شرق ليبيا وجزيرة كريت اليونانية، إضافةً إلى تأمين مشاركة مصر في إدارة اللاجئين الفلسطينيين، وهو أمر لا تخفى صلته بالإبادة الإسرائيلية الجارية في غزة.
وإزاء تزايد أعداد الوافدين غير النظاميين المصريين إلى الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى دور مصر كمركز ”عبور“ للفارين من الحرب أو الاضطهاد أو المجاعة، أطلقت المفوضية الأوروبية في عام 2022 مشروعًا لإدارة الحدود لحساب خفر السواحل المصري بقيمة 80 مليون يورو. وبينما خُصص جزء من هذه الأموال لشراء مراكب للدوريات، أفرجت بروكسل عن 20 مليون يورو إضافية في يونيو/حزيران 2024 لشراء مركبات مدرعة وطائرات مسيرة ومعدات رادار للجيش المصري لتوظيفها على الحدود المصرية مع ليبيا.
كانت حرب إسرائيل في غزة التي تخوضها في انتهاك صريح للقانون الدولي، والهادفة وفقًا لعدد كبير من المسؤولين الإسرائيليين إلى تدمير غزة وطرد الفلسطينيين من القطاع، كانت في مقدمة اهتمامات الاتحاد الأوروبي عند إبرام هذا الاتفاق متعدد المليارات مع مصر في مارس/آذار الماضي. إن رفض مصر استقبال اللاجئين الفلسطينيين وبالتالي مزيد تأجيج الدمار والمخططات الاستيطانية للمتطرفين الإسرائيليين في غزة ليس تعبيرًا عن تضامن الدولة المصرية مع الفلسطينيين، بقدر ما هو مرتبط باعتبارات أمنية من جانب الأجهزة العسكرية والشرطية المصرية المتوجسة، وهو مرتبطٌ كذلك بمدى حصول القاهرة على قروض ومنح من الحكومات الغربية. بينما يبقى تعاون مصر مع إسرائيل وحلفائها في إدارة الحدود مع فلسطين مفتاح أي سيناريو مستقبلي محتمل في غزة. وفي الأثناء، تواصل السلطات المصرية تفريق الاحتجاجات التضامنية مع فلسطين وتجريمها.
دبلوماسية أثينا المستترة لمناهضة الهجرة
إن عمليات التهجير الجماعي الممنهجة التي تقوم بها إسرائيل في جميع أنحاء فلسطين، واجتياح جيش الاحتلال للبنان، والحرب في السودان، كلها تخدم الهجرة القسرية في المنطقة، وبالتالي تعود بالنفع على سياسة الاتحاد الأوروبي لتصدير حدوده الخارجية في شرق البحر الأبيض المتوسط. وفي ضوء ارتفاع عدد الفارين من لبنان وسوريا وفلسطين في قوارب باتجاه قبرص، وقّعت بروكسل اتفاق هجرة مع بيروت في عام 2024. ومنذ سنة 2023، شدّدت السلطات اللبنانية عمليات الترحيل إلى سوريا وكثفت من اعتراض القوارب التي تحمل أشخاصًا إلى قبرص. ومن جانبه، يقوم خفر السواحل القبرصي باعتراض الأشخاص الذين يبحرون من لبنان لإعادتهم إلى البلد المتأزم، في انتهاك واضح للقانون الدولي للاجئين، مقتديا في ذلك بالنموذج اليوناني.
اليوم، يتسم النهج الذي تتبعه أثينا في التعامل مع اللاجئين والأشخاص المتنقلين بصرامةٍ ذائعة الصيت حتى خارج الحدود الأوروبية، ويتراوح بين ممارسات الإعادة القسرية غير القانونية وتجريم الأشخاص المتنقلين وسياسة مخيماتٍ في الجزر اليونانية لا نظير لها في جميع أنحاء أوروبا. تكتب الباحثة في شؤون الهجرة ماريا باراسكيفا في تقرير صدر عام 2023 عن مكتب مؤسسة روزا لوكسمبورغ في أثينا: «لليونان تاريخ من عمليات الإبعاد والطرد بإجراءات موجزة دون تقييم احتياجات مواطني الدول الثالثة من حماية حقوقهم الإنسانية برًا وبحرًا». وتتبع عمليات الإبعاد هذه نمطاً متكرراً منذ عقد من الزمن ويتم تنفيذها بشكل روتيني وممنهج.
ما يشغل بال المعنيين بنظام الحدود في اليونان بشكل رئيسي اليوم هو طريق الهجرة المتنامي بين طبرق في شرق ليبيا وجنوب اليونان. وقد تعرضت قوارب كثيرة متجهة إلى جزيرة كريت للانقلاب وهي تحمل أشخاصًا دخلوا ليبيا عبر مصر – كان آخرها في أكتوبر/تشرين الأول 2024. لكن على الرغم من هذه التطورات، فإن السلطات اليونانية تمتنع بشكل ممنهج عن جذب الانتباه إلى التدفقات المتزايدة في جزيرة كريت وعن تقديم خطة ملموسة لإدارة الوضع. تقول بارسكيفا لمؤسسة روزا لوكسمبورغ: «ومع ذلك فقد سلطت الصحافة اليونانية الضوء، ولو لفترة وجيزة، على وصول 200 شخص إلى جزيرة كريت في أكتوبر/تشرين الأول 2024 ووصول 1500 آخرين إلى جزيرة جافدوس الصغيرة، جنوب جزيرة كريت، في نيسان/ أبريل 2024. مما اضطرّ السلطات اليونانية إلى التعليق على ذلك. وحاولت الحكومة اليونانية الظهور كما لو أنها تسيطر على الوضع بشكل كامل، مؤكدةً أنها نجحت في كبح تدفقات الهجرة إلى البلاد».
في سياق هذه الرواية الحكومية، سافر رئيس الوزراء اليوناني المحافظ كيرياكوس ميتسوتاكيس إلى القاهرة برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية في مارس/آذار الماضي. تقول بارسكيفا: «تخشى الحكومة اليونانية دخول المزيد من الأشخاص القادمين من مصر إلى أوروبا عبر طريق كريت مستقبلاً». لذا ليس من المستغرب أن يرفض خفر السواحل اليوناني بالفعل إنزال الأشخاص الذين تم إنقاذهم في البحر من قبل السفن التجارية على الطريق الجنوبي في حالتين تم تأكيدهما من طرف منظمة ”آلارم فون“، وقاموا بتحويلهم بدلاً من ذلك إلى ميناء بورسعيد في مصر. وتقول المنظمة غير الحكومية العاملة في مجال البحث والإنقاذ في تقرير لها إن هذه السياسة ليست ممنهجةً بعدُ على هذا الطريق.
«احتواء التنقلات غير المرغوب فيها»
نجح النظام المصري في استغلال حركات الهجرة في عام 2016 لكسب هامش من المناورة في المفاوضات مع الجهات المقرضة الخارجية، وكذلك لإعادة الترويج لصورة النظام على الساحة الدولية بعد الانقلاب العسكري الدموي الذي نفذه الجيش في عام 2013. وأغلقت السلطات المصرية في أواخر عام 2016 الحدود البحرية بعد غرق سفينة صيد قبالة ساحل البحر الأبيض المتوسط، مما سمح للنظام بتصوير نفسه كشريك جدير بالثقة في مجال التحكم في الهجرة. وقد أتاحت التطورات المتعلقة بالهجرة في المنطقة في السنوات الأخيرة لنظام السيسي فرصة إضافية لمقايضة تعزيز التحكم في الهجرة مقابل القروض والمنح والاستثمارات.
إن سياسة الترحيل بإجراءات موجزة إلى السودان المجاورة، على غرار النموذج الجزائري، هي مؤشر على أن منطق نظام الحدود الذي يروج له الاتحاد الأوروبي ووكلاؤه قد تجذر بالكامل في صلب الإدارة المصرية. وفي ذات الوقت فإن مشروع قانون اللجوء الذي لم تتم المصادقة عليه بعد، سيشكل في حال اعتماده لبنة أخرى تُضاف إلى سياسة تصدير الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي في شمال أفريقيا. وتُظهر هذه الخطوة وغيرها بشكل مفضوح كيف أن مقاربة الاتحاد الأوروبي الشاملة تجاه الهجرة والتنمية في بلدان مثل مصر تعيد صياغة «المشهد السياسي والإنساني والهجرة» في بلد ما، بما يهدف إلى «دمج واحتواء ’التنقلات غير المرغوب فيها‘» خارج الاتحاد الأوروبي، وفقًا لهيك وهابرسكي الباحثتين في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
إن ”مكافحة الأسباب الجذرية للهجرة“ التي ينتهجها الليبراليون الأوروبيون في بلدان مثل مصر ليست أكثر من مجرد تعبير ملطّف ومنحرف لسياسةٍ كولونيالية جديدة تحاول إيهام العموم بأن المخططات الخيرية المتنكرة في زي ”المشاريع التنموية“ في بلدان الجنوب كفيلة بوقف الهجرة. وبالتالي، فإن النقاش الملحّ حول الاختلالات الاقتصادية والتجارية البنيوية بين بلدان الشمال والجنوب في العالم يتعرّض لمزيد من التقويض بسبب هيمنة هذا الخطاب التنموي المشوّه، في الوقت الذي يتآكل فيه القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللجوء بوتيرة أسرع. لذلك ليس من باب الغرابة ألّا تلقي المفوضية الأوروبية والحكومات في برلين أو روما أو أثينا بالاً لما يوجّه لها من انتقادات حول «نهجها القائم على ‘المال مقابل التحكم في الهجرة’»، أو عندما تحمّلها منظمات حقوقية كهيومن رايتس ووتش مسؤولية «تواطئها» في انتهاكات حقوق الإنسان، في سياق تصدير أنظمة الحدود إلى شمال أفريقيا.