علاء خالد عن سينما داود عبد السيّد: طّبقةٌ وُسطى وهُمومٌ شّخصيّة
يظهر فيلم “الكيت كات” واحدًا من أشهر الأفلام المصريّة ومن أكثرها شعبيّةً، إذ يحتلّ المرتبة الثامنة في قائمة أفضل مائة فيلم عربي، التي أصدرها مهرجان دبي السينمائي عامَ 2013. ويأخذُ الفيلم اسمه من المنطقة التي صُوّر فيها، وهي حيّ شعبي في إمبابة شمال الجيزة في القاهرة. والحيّ نفسهُ يأخذُ اسمه من اسم ملهى ليليّ قديم في المنطقة على النّيل. ومن ذلك المكان المزدحم والمليء بالحكايات والشّخصيّات والقصص والتاريخ، أخرج داود عبد السيّد أحد أهم أعماله الشّخصيّة وأحد أهم أفلام السينما المصريّة. في الفيلم يظهر أيضًا “الشّيخ حُسني” واحدًا من أكثر شخصيّات محمود عبد العزيز رُسوخًا في مسيرته السينمائية.
لم يكن متوقَّعًا للفيلم أن يُحقّقَ النّجاح التّجاري الذي حقّقهُ حين دخل إلى الصّالات، لكن المُؤكّد أنّه لا يزال يُحقّقُ نجاحًا فنيًا ونقديًّا عاليًا في مدوّنات السينما ونقاشاتها وبين محبي الفن السابع في العالم العربي. والفيلم أيضًا هو من صَنع الشّهرة الجماهيريّة الواسعة لداوُد عبد السيّد، المُخرج المصري الذي يُعتبرُ أحد أهمّ رُموز تيّار الواقعيّة الجديدة في السّينما العربيّة. وقد جاء فيلم الكيت كات في “ذروة” مسيرة عبد السيّد، الذي أخرج فيلمه الروائي الطّويل الأوّل “الصّعاليك” سنة 1985، بعد ثلاثة أفلام تسجيلية قصيرة، في حين صدر الكيت كات في نهاية عام 1991، بينما كانت آخر أفلامه هو “قُدرات غير عاديّة” عامَ 2015. ليدخلُ بعده إلى ما أسماه “الاعتزال بحكم الأمر الواقع”.
يُمثّل عبد السيّد جُزءًا من جيل سينمائي كامل في مصر. جيل بدأ يصوغ رؤاه للعالم وللفن بعد عام 1967، وما مثّله ذلك العام من هزّة للوجدان المصري. جيلٌ سينمائي سيشكّل مع الثمانينات تيّارًا فنيًا كاملاً حاملاً لرؤى إنسانية وفنيّة عميقة، وسيتركُ أثرهُ البارز جدًا في تاريخ السينما المصريّة والعربيّة. جيلٌ يُمثّلهُ محمّد خان وعبد السيّد وعاطف الطيّب وخيري بشارة وغيرهم، من الذين تقاربت أعمارهم ومسيرتهم الدراسيّة ورؤاهم الفنيّة والفلسفيّة والجماليّة وحتى السياسيّة.
أخرج عبد السيّد طيلة مسيرته المهنيّة والفنيّة، تسعة أفلام روائيّة طويلة، وقبلها ثلاثة أفلام تسجيليّة قصيرة. حقّقت معظمُ أفلامه الروائيّة نجاحات مهمّة، وبدرجات متفاوتة. إن كان صاحب “أرض الخوف” لا يُعتبرُ من المخرجين الذين تركوا أعمالاً كثيرة، لكنّه في المُقابل قد ترك أعمالاً نوعيّة على الصّعيد الفنّي والجمالي وعلى صعيد ما أثارته (ولا تزال تُثيره) من نقد وتفاعل. إذ لا يتوقّفُ إلى اليوم التفاعل مع أعمال داود عبد السيّد، رغم توقفّه عن الإخراج منذ ما يُناهز العَقْدَ.
وفي هذا السياق التفاعلي المستمر مع سينما داو عبد السيّد ومشروعه الفنّي، يندرج كتاب الروائي والشّاعر علاء خالد “داوُد عبد السيّد: سينما الهُموم الشّخصيّة”، الصّادر عن المرايا للثقافة والفنون، وبدعم من مؤسسة روزا لوكسمبورغ مكتب شمال أفريقيا، عامَ 2023، في 213 صفحة من الحجم المتوسّط.
في هذا الكتاب يُقدّم علاء خالد، عُصارة سنواتٍ طويلة من العلاقة المزدوجة: الشّخصيّة مع المُخرج، والفنيّة ومع مشروعه السينمائي. لا يبدُو الكتاب مُؤَلَّفًا في النّقد التقليدي بالمعنى العلمي والتّقني المُتعارف للنّقد، لكنّه أقرب ما يكون إلى أن كونه كتابًا “في حُبّ سينما داوُد عبد السيّد”. حيثُ يُقدّمُ علاء خالد قراءتهُ بكثيرٍ من الشّعريّة والتّأمليّة العميقة. قراءة تحليليّة مرتكزة على تشبّع كبير بمشروع المُخرج وأعماله ومرتكزة كذلك على علاقة شخصيّة وثقافيّة قويّة معه. قسّم علاء خالد كتابه إلى فصلين: الأوّل بعنوان “سيرة التجاوز… سيرة الأمل” ويُقدّم فيه قراءته وتحليله لمشروع عبد السيّد وأفلامه ويُفكّ أبعاد ورموز عوالمه الفنيّة وتحوّلاتها ضمن أزمنتها التاريخية والسياسيّة والاجتماعيّة وضمن أزمنتها الثقافية ومداراتها الفكريّة أيضا، والثّاني بعنوان “الحوارات” وفيه ثلاثة حوارات كُبرى. الحوار الأوّل طويل (نتيجة عمل سنوات) مع المُخرج نفسه داود عبد السيّد، والثاني مع مهندس المناظر أنسي أبو يوسف، والثالث مع الموسيقار راجح داود، وكلاهما رافقا المُخرج في معظم أفلامه، ويعتبران أهمّ ركيزتين فنّيتين في مشروعه السينمائي.
علاء خالد، شاعرٌ وروائي بالأساس. وفي لغته الكثير من الشّعريّة التي تجعل المعاني أكثر اتساعًا في التقاطِها تفاصيلَ ورموزَ عوالمِ داود عبد السيّد، وهي عوالم ثريّة وغزيرة ومتنوّعة. لذلك فللكتاب ميزةٌ رئيسيّة وهي القطع مع اللغة التقليديّة الجافّة للنّقد السينمائي المألوف بجهازه الاصطلاحي الفنّي الدّقيق وقوالبه التّحليليّة المتشابهة ومناهجه المدرسيّة المُغلقة. لذلك هو يجعلُ القراءة السّينمائيّة أكثر إمتاعًا ومتعة وأكثر انسيابيّة وحريّة في التّعبير والتّصوير. يتجاور النّصّ النّقدي لعلاء خالد مع عوالم سينما داود عبد السيّد الغزيرة، ليكون المنتجُ عملاً قارب فيه الكاتب مشروعًا سينمائيًا طويلاً شقّقته تحوّلاتٌ وصاغتهُ رؤى ومواقف وأحلام وهموم. كتابٌ تداخل فيه الشّخصي مع الموضوعي، وتراوح فيه الاقتراب حدّ الالتصاق مع الحياديّة التي تتخّذ مسافةً تحليليّة مع النّص السينمائي ومع المشروع.
في الجزء الأوّل من الكتاب، يبحثُ علاء خالد في أعماق هذا المشروع السينمائي بقراءة تحليليّة واسعة. وينبشُ وراء أثر “هزيمة 67” وعن الطّبقة الوُسطى والتحوّلات الاجتماعيّة والسياسيّة وانعكاساتها في النّص. يتتبّعُ الشّخصيات والحبكات والنّص والصّور والألوان والدّيكورات وأطياف المدينة، ويسأل عن مدينته الشّخصيّة “الإسكندريّة” وعن صورتها الكوزموبوليتانيّة في أفلام عبد السيّد. يتتبّعُ الشّخصيات وقلقها وأحلامها وتحوّلاتها وعجزها وانطلاقها وتمرّدها وهمومها. يُفكّك الرّمزيات والرّموز والإحالات ويتساءل عن تعقيداتٍ كامنة في ظلال الأعمال وخلفياتها. يسألُ عن الجنس والدّين والطّبقيّة والأحلام والفلسفة والحريّة والسياسة والفكر والفنون والأدب والاقتباس.
وفي حواراته الثلاثة مع رموز هذه المشروع، المُخرجُ ومُهندسُ والدّيكور والموسيقار، يدخل علاء خالد إلى الكواليس. وإلى أعماق الشّخصيّة التي خلقت الأثر الفنّي وصنعته وكيّفته. حوارات طويلة ومُفصّلة ومواجهات مباشرة أحيانًا وجدلٌ وتصادم بالفكرة والتأويل والقراءة، وكثيرٌ من الحبِّ والعاطفة والشّعريّة البليغة. فالكتاب وثيقة شاملة عن سينما داوُد عبد السيّد. وثيقةٌ يُمكن أن تُعطي لأي متابع للسّينما ولأعمال عبد السيّد خاصة، وأعمال جيله كاملاً، رؤية أخرى لأعمالٍ شاهدها وزوايا نظرٍ أكثر عُمقًا وتنويعًا.
طبقةٌ وُسطى و”هُمومٌ شخصيّة”
مَحاورُ كثيرة تطرّقَ إليها علاء خالد في كتابه، وبشموليّة واسعة واتساعٍ تحليلي وتوسّعٍ تأويلي، بشكلٍ قارب عمليًا كلّ الجوانب في مشروع ومسيرة داوُد عبد السيّد. ثراء في المواضيع وزوايا النّظر والقراءات والتحليل. ومن هذه الزوايا وأكثرها عُمقًا، هو أنّه ساءل سينما داوُد عبد السيّد، عبر مضمونها الطّبقي، وأيضًا عبر الرؤية والانتماء الطّبقيَينِ للمُخرج نفسه، المنتمي إلى جيل الثمانينات. إذ يرى علاء خالد أنّ “غطاء الطّبقة الوسطى” قد ألقى بظلاله على كامل هذا الجِيل. وبالنّسبة إلى داوُد عبد السيّد تحديدًا فيرى علاء خالد أنّه قد قام بتمثيل هذه الطّبقة، في أغلب أفلامه، من خلال “أشخاص هامشيين في داخلها”، لكن دون أن تَسقط عنهم تمثيليتهم لها، حسب تقديره.
ينتمي داوُد عبد السيّد نفسهُ عائليًا واجتماعيًا وحتى ثقافيًا وفكريًا إلى هذه الطّبقة، حيث يقول في الكتاب: “أعتبرُ نفسي نموذجًا جيدًا لابن الطّبقة الوُسطى” (ص 105). ويبدُو من خلال معظم حواراته ولقاءاته الصّحفيّة ونقاشاته (بما فيها حواره هذا مع علاء خالد) مُعترفًا برغبته في التعبير عن هموم طبقته سينمائيًا، لكن من خلال (وعَبرَ) هموم أفرادها “الشّخصيّة” وتطلّعاتهم الفرديّة ورؤاهم الخاصة والذاتيّة. وليس كهمومٌ مُشتركة لطبقة اجتماعيّة كاملة بذلك المعنى الذي يجعلُ هذا “الهمَّ” هَمًّا جماعيًا.
وتبدو سينما داوُد عبد السيّد فعليّا أقرب ما تكونُ إلى ذائقة الطّبقة الوُسطى. وإليها ينتمي جمهوره طبقيًا، في معظمه. لما تعبّر عنه أفلامه وما ترسمهُ من رؤى وعوالم وهُموم وقيمٍ، تبدوُ قريبةٍ من المدارات الثقافيّة والاجتماعية وحتّى الذّوقيّة لتلك الطبقة. لذلك كان لتحوّلاتِ الطّبقة الوُسطى المصريّة والتغيّرات التي حدثت فيها (وعليها) في السّنوات الأخيرة، وقعٌ كبير على مشروع عبد السيّد السينمائي، الذي توقّف منذ عام 2015 بسبب ما أفرزته هذه التّحوّلات من تغيير على مستوى الجمهور وعلى مستوى البِنيَة التّحتيّة الثّقافيّة وخاصةً على مُستوى الذّائقة الفنيّة.
لا يرى عبد السيّد نفسه جُزءًا ممّا يُسمّيه “سينما المُولات”. أي تلك الصّالاتُ التي تُقدّمُ نوعًا مُعيّنًا من السّينما الجديدة، التّجاريّة بالأساس، والموجّهةِ إلى جمهورٍ يقولُ عنه عبد السيّد إن لديه اهتمامات مختلفة عن السينما التي يُقدّمها. لهذا، ومع أسبابٍ أخرى، توقّف عن الإخراج. ومع ذلك، هو ليس اعتزالاً بالمعنى الدّقيق للكلمة لكنّه “في حكم الاعتزال”، وفق تعبيره. حيثُ كانت آخر أعماله سنةَ 2015 من خلال فيلم “قدرات غير عادية”، وهو فيلمه الروائي التاسع والأخير. وسينما المولات كما يُشَرِّحُها عبد السيّد، هي تلك الصالات التي تنتشر في الفضاءات التجاريّة الكُبرى والتي ترتادها العائلات بأجيالها المختلفة للتبضّع والأكل وقضاء يومٍ طويل ينتهي بمشاهدة فيلم جماعيّ. تلك السّينما تكون تجاريّة واستهلاكيّة مُوجّهة أساسًا إلى التّسلية، وخفيفة دون مضامين و”هموم”، وتكون في الغالب ضمن أطُر “فنيّة” تحدّها محاذيرُ اجتماعيّة تصنعها نوعيّة الجمهور العائلي المُحافظ التي يرتادها. في المُقابل انحسرت مساحة وثقافةُ الصّالات التقليديّة وتقلّص عددُ القاعات. وحتّى الطّبقة الوُسطى التقليديّة نفسها، وتحت تأثير التّحولات الاقتصاديّة الماثلة، غابت عن قاعات السّينما وباتت مشغولة بتأمين حياة كريمة لنفسها، حسب رأيه.
في حواره مع علاء خالد في الكتاب، يُؤكّد عبد السيّد انتماءه إلى عوالم هذه الطّبقة وهمومِها، وأنّها وحدها التي يُمكنه التعبير عنها. “أنا ابن طبقة متوسطة، هذا تكويني، لا أقدرُ أن أنتمي إلى أي طبقة أخرى، ولستُ محتاجًا لاستعارة هموم طبقة أخرى، بالتأكيد الطبقات الأخرى تهمني، ولكني لا أمتلك القدرة على التعبير عنها” (ص 107). لكنّه ينفي أن يكون مشروعه كلّهُ في التعبير عن “أحلامها” أو عمّا أسماه المؤلّف “الحلم الرومانسي لمقهوري هذه الطّبقة وضحاياها”، باستثناء فيلم “البحث عن سيّد مرزوق” الذي يعتبرهُ مُعبّرًا عن هذا المعنى. غير أنّ تأثير طبقته الاجتماعيّة ووجهة نظرها كامنان وأساسيان في مشروعه السينمائي برمّته بما في ذلك أفلامه التي تتكلّم عن طبقات أخرى مثل “السّارق الفرِح” الذي تحدّث فيه عن “المُهمّشين”، أو حتى تلك التي هي دون “مدخل طبقيّ” مثل “أرض الخوف و”مواطن ومخبر وحرامي”، إذ كان التّناول فيهما -كما يقول- من وجهة نظره الطبقيّة، أي من وجهة نظر الطّبقة الوُسطى تحديدًا.
لا يُعبّر عبد السيّد -إذًا- عن “أحلام” الطّبقة المُتوسّطة، باستثناء فيلم “البحث عن سيّد مرزوق”، بقدرُ ما هو يُعبّر عن “وجهة نظرها”. ولو أردنا تلخيص فكرته المُعقّدة هذه، فإنّ “وجهة نظر” تلك الطّبقة هي التي تُكيّفُ مشروعه السّينمائي القائم أساسًا على التعبير عن “هُموم شخصيّة”. وهذه الهُموم ليست دومًا “هموم” طبقته الاجتماعيّة ولا أفرادها، ولكنّه ينظر إليها ويُقاربها من وجهة نظر تلك الطّبقة نفسها. لذلك لو أردنا تكثيف مشروع عبد السيّد كما يُفهمُ من حواره مع علاء خالد، أو من مُجمل أفلامه، فإنّه من الممكن القول بأنّها سينما تُعبّر أساسًا عن “هُمومٍ شخصيّة” لأفراد من مختلف أطيافِ وطبقات المجتمع، لكنها تفعلُ ذلك من وجهة نظر الطّبقة الوُسطى. لهذا يبدو الاختيار موفّقًا جدًا حين أطلق علاء خالد على سينما داود عبد السّيد تسمية “سينما الهُموم الشّخصيّة” واختارها عنوانًا للكتاب، فهي فعليًا جوهر المشروع في كُلّيتهِ، وبغضّ النّظر عن أي مُنطلقات طبقيّة تنتمي إليها أو تنطلقُ منها.
في كلّ حواراته -بما فيها حواره في الكتاب مع علاء خالد- يُؤكّد داود عبد السيّد على مسألة “الهمّ” الشخصي الذي يُحرّك شخصياته السينمائيّة. ليس الهمّ بمعناه السّلبي ذو الوقع النّفسي الثّقيل على الذّات، بل هو الهمُّ الذي يعطي للشّخصيّة معنى في الحياة. همٌّ يُمكن أن يكون في شكل حُبٍّ مثلاً أو حُلُمٍ أو رغبة في تجاوز عطبٍ مَّا، ويتّخذ أبعادًا كثيرة وأحيانًا شاملة يتجاوز بها الفردي والذّاتي إلى الجماعي وحتى الإنساني. لذلك كان جوهر فكرة علاء خالد عن سينما داوُد السيّد هو هذا تحديدًا: كيف أنّها سينما في الهموم الشّخصيّة التي من خلاله يُمكن عكس واقع اجتماعي وتاريخي وحتى سياسي كامل وواسع. هموم ذاتيّة، تجعل من الفرد النّقطةَ التي تتمركز حولها القصّة والحكاية والرؤية الفلسفيّة والجماليّة للعمل السينمائي ورسالته ومعناه. لذلك هناك دومًا بناء حول ذاتٍ/شخصيّة لديها همٌّ تُعبّر عنه طيلة الفيلم أو تلاحقهُ أو هو الذي يصنع تحوّلاتها وسيرتها. والفرد في سينما عبد السيّد، كما يرى علاء خالد، ليس هو “الفقير” أو “المنبوذ” أو “الحالم” أو “المتمرّد” بل هو “الشّخص العادي بكل تناقضاته، والذي يمتلك خاصيّة البَوح” (ص 19).
يختمُ علاء خالد كتابه بحوارين مُهمّين مع مهندس الدّيكور والمناظر أنسي أبو يُوسف الذي هندس فضاءات معظم أفلام داود عبد السيّد. ومع الموسيقار راجح داور الذي لحّن معظم الموسيقى التّصويريّة لأعماله، بما فيها الموسيقى التّصويريّة الشّهيرة لفيلم الكيت الكات. من شاهد أعمال عبد السيّد سيُلاحظُ أنّه قد وجّه التحيّة إلى رفيقيه اللّذين عملا معه في معظم مشواره السّينمائي، من خلال إشادتين عند إشارة البداية في فيلمين مختلفين كلمسة حُبٍّ ووفاء واعتراف لهما. ويُعتبَرُ أنسي أبو يُوسف وراجح داود من أهمّ الركائز التي قام عليها مشروعه الفنّي/السينمائي الطّويل فعليّا. وكانت للمستهما حضورها البارز والمؤثّر في روح هذا المشروع وتفرّده واستثنائيّةِ معالمه.