عمَّ نبحث عند ترجمة سيوران؟ مع الشاعر والمترجم آدم فتحي
نظٌم نادي روزا للقراءة Rosa Book Club بالشراكة مع جمعية عشاق الكتب بسوسة لقاء مع المترجم آدم فتحي، تحت عنوان “عمَّ نبحث عند ترجمة أعمال إميل سيوران؟”
– الموعد ؛ يوم السبت 17 فيفري، بداية من الساعة الثالثة مساء، بفضاء Elbirou ( باب بحر – سوسة )
– تقديم الضيف ؛ الشاعر والمترجم أشرف القرقني.
– إدارة الحوار : رئيس جمعية عشاق الكتب بسوسة والقاريء حلمي الشيخاوي.
– اللقاء مفتوح ومجاني للجميع.
مقدمة اللقاء
سبعة كتب هي حصيلة الترجمات التي قام بها المترجم التونسي آدم فتحي لأعمال أحد أكثر المفكِّرين تخريباً في عصره – «نيتشه» أو «ديوجين» القرن العشرين، وهي كالآتي : «المياه كلها بلون الغرق»، «تاريخ ويوتوبيا» ، «مثالب الولادة»، «اعترافات ولعنات». «تمارين في الإعجاب»، «رسالة في التحلل» «السقوط في الزمن» ويستعدّ لترجمة «الكرّاسات» التي عثر عليها بعد وفاته من قبل رفيقته سيمون بوي ( وهي تقريبا كلها أعمال تخص المرحلة الفرنسية دون المرحلة الرومانية وهذا سؤال أولي من ضمن اسئلة عديدة لاحقة … )
يكتب إميل سيوران في مؤلفه “إعترافات ولعنات” عرفت من الكتاب البلداء وحتى الحمقى. أما المترجمون الذين أتيح لي أن أقابلهم فكانوا أكثر ذكاء وإثارة للاهتمام من المؤلّفين الذين كانوا يترجمونهم. وذلك لأننا نحتاج إلى التفكير عند الترجمة أكثر مما نحتاج إليه عند الإبداع.”
وهذا ما يضعنا من مفارقة أولى لـ “سيد المفارقات” بأن يكون مترجمه قد أقدم قبيل الثورة التونسية ( في سنة 2010 ) على ترجمة كتاب تاريخ ويوتوبيا، الذي يحاول فيه “مفكر النهايات” تشريح ذهنية الطغاة بفصل كامل موسوم بـ”مدرسة الطغاة”.
” الأصل في الترجمة أن تقوم ثقافة الاستقبال بانتقاء ما تحتاج إليه في ثقافة المصدر، تكون الترجمة فعّالة لأنّها تُقحِمُ الأعمالَ المُترجمة في النسيج الثقافيّ للبلد المستضيف” هكذا عبر ضيفنا القادم في حوار له حول فعل الترجمة. ومنه نستشف سؤال – عنوان لقاءنا “عمَّ نبحث عند ترجمة إميل سيوران في ثقافتنا العربية؟”
وهذا التساؤل يضعنا بدوره في مفارقة ثانية وهي، لماذا نترجم كاتبًا لم يقترح يومًا وصفات جاهزة يمكن نسخها وتبنّيها. كما لم يدّع يومًا أنّه فيلسوف أو حكيم، بل إنه يسخر من رطانتهم الفلسفية، منتصرا لكفة الجنون والهذيان ( يقول ليس لدي أفكار بل وسواس )
كيف ندرك مفارقة ثالثة متمثلة في عبارة المترجم آدم فتحي “إنّي أترجم سيوران للحصول على جرعة من الأمل” أي كيف يصح هذا القول عن فيلسوف أطلقت عليه ألقاب عديدة من بينها ” كاتب العتمة ” “المتسكع صاحب الأفكار السوداء ” ” رسول الشؤم” “نبي التحلل والدمار” و “الشمس السوداء للماناخوليا” سليل شوبنهاور وفيليب مينلاندر وألبير كاراكو …
على أيّ هوى وقع أحد أكبر “أساتذة اليأس” ( على حد تعبير نانسي هيوستن ) في زمننا كي يجد حاضنة عربية “لعواءاته” وهو الذي لم يصر مقروءا في ثقافة فرنسية إنسلخ من أجلها عن لغته الرومانية، لكنها لم تعترف به إلا بعد مرور أربعون عاما تقريبا ( وهذه يمكن إعتبارها مفارقة رابعة أيضا، إذا ما أشرنا مثلا أن كتابه الأول باللغة الفرنسية ” رسالة في التحلل كان يوضع مع كتب الفيزياء والكيمياء في المكتبات )
كيف يمكننا الإقتراب من “مشعل الحرائق” الذي أحرق بنار أسئلته وشكوكيته كل مؤسسات المعنى والحقيقة ببناءاتها الهشة والمتداعية.
هذا ما سنحاول فعله مع ضيفنا المترجم آدم فتحي بإعتباره أب النص في لغته الجديدة، والأبوة هنا كما يوضح لنا ليست متعقلة بروابط الدم. لأنها كسبٌ وليست إرْثًا، فالمترجم الأدبيّ المبدع على حد تعبيره “يقرأ النصّ ويكتبه في الوقت نفسه. يعمل بأدوات المحقّق والمدقّق ويكتب في نفس الوقت بملكات الكاتب والشاعر. وفي أثناء ذلك هو لا يقتصر على تطبيق المناهج ولا يكتفي بتقمّص روح الكاتب. بل يتلبّس بجسده أيضًا. يعيش داخل شروخه وأغواره. يطّلع على أدقّ أسراره. يتعب كي يعثر على هذه الصيغة أو تلك. تمامًا كالكاتب. يسهر الليالي الطوال طلبًا لهذه العبارة أو الأخرى. يقفز من مكتبه أو من فراشه كالمجنون كلّما عثر عليها صارخًا مثل زميله: أوريكا!”
وإنه لمن المؤسف حقيقة في ثقافتنا العربية بالأخص بأن ” يُتَعامَلُ مع النصّ كأنّه بلا مترجم. ولا يُذكَرُ المترجمون في الأغلب إلاّ تنديدًا بهفواتهم” لهذا يستحضر أدم فتحي عبارة دريدا: «يظلّ النصّ يتيمًا ما لم يجد مترجمه». ويسمح لنفسه بالقول: يظلّ المُتَرْجَمُ غائبًا ما لم يصبح مُتَرجِمُه مرئيًّا. ولا علاقة للأمر بالنرجسيّات. يومَ يَنشرُ الكاتبُ نصوصه دون أن يمهرها باسمه يمكننا أن نطلب من المترجم الشيء نفسه. في انتظار ذلك من حقّ المترجم علينا أن يصبح «احترامُه» ضروريًّا ودالاّ على أنّ الترجمة الإبداعيّة كتابةٌ هي أيضًا.