الطريق إلى السيادة الغذائية في منطقة شمال أفريقيا
انطلقت فكرة إنشاء شبكة شمال إفريقيا للسيادة الغذائية من تونس عام 2017 في عاصمتها، وتأسست عمليا عام 2018 في مدينة أكادير بالمغرب. تضم الشبكة أعضاء –ات النقابات العمالية والتعاونيات والجمعيات الخاصة بالمزارعين- ات وصغار المزارعين- ات والصيادين المستقلين.
ضمت الشبكة في البداية نشطاء-ات من مصر وتونس والجزائر والمغرب. لاحقًا، امتدت الشبكة، بعد جهود مبذولة للانفتاح والتواصل مع نشطاء- ات آخرين- ات من المنطقة العربية، إلى موريتانيا والسودان وفلسطين ولبنان، إلخ. وضمت المعنيين بقضايا صغار الفلاحين- ات والصيادين، والبذور الأصلية والمياه والأراضي.
قامت إيمان اللواتي من مؤسسة روزا لوكسمبورغ بمقابلة علي أزناك، منسق الشبكة، في شهر سبتمبر 2023، لتسأله عن الشبكة وبداياتها والصعوبات التي واجهتها وآليات عملها المستقبلي.
كيف ظهرت فكرة إنشاء شبكة شمال أفريقيا حول موضوع السيادة الغذائية؟
تأسست الشبكة في شهر يوليو/تموز سنة 2017، وها قد مضى على تأسيسها 6 سنوات. انطلقت فكرة إنشاء الشبكة في شمال افريقيا من بعض المنظمات في المنطقة، منها نقابات وجمعيات ومجموعات عمل، من المغرب وتونس ومصر والجزائر. قام مناضلون/ات تقدميون- ات من هذه البلدان، بدور بارز في تفعيل فكرة تأسيس الشبكة بعد عدة اجتماعات ولقاءات أسفرت عن صياغة و تحضير الميثاق السياسي والاستراتيجية النضالية ، للاشتغال على قضايا صغار منتجي- ات الغذاء في منطقتنا أي صغار الفلاحين- ات والبحارة- ات والرعاة، وطرح مشروع السيادة الغذائية كبديل عن التوجهات النيوليبرالية للسياسات الفلاحية (الفلاحة التجارية التصديرية) التي تنهجها الحكومات في منطقتنا منذ سنوات . وكانت هذه المرحلة من تأسيس الشبكة بداية مهمة من أجل تحفيز إنجاز دراسات ميدانية حول وضع السيادة الغذائية في ثلاث بلدان وهي: المغرب وتونس ومصر.
بعد مصادقة الجمعية العمومية بأكادير شهر دجنبر سنة 2018، على ميثاق التسيير و الاستراتيجية، اتفق المؤسسون/ات على تسمية: شبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية. حين كانت الشبكة مقتصرة على بلدان المنطقة، ولكن بعد التوسع خارج شمال افريقيا، في السودان وفلسطين ولبنان، عقدنا جمعية عمومية استثنائية سنة 2022 وغيرنا الاسم إلى: شبكة سيادة. ليصبح الاسم جامعا وموحدا لكل منظمات ونشطاء البلدان المنتمية إلى الشبكة.
ما هي أهداف الشبكة في المنطقة؟
الهدف الرئيس للشبكة هو بناء أدوات النضال في المنطقة الناطقة بالعربية من أجل مشروع السيادة الغذائية، والانغراس في نضالات صغار منتجي/ات الغذاء من أجل تنظيمها وتوحيدها على الصعيد المحلي والقطري. إن أهم ما نسعى إليه في منطقتنا هو بلورة منظور سيادي قادر على توحيد نضالات المنطقة ضد المؤسسات المالية الكبرى: البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والمنظمة العالمية للتجارة…الخ. وطرح بديل السيادة الغذائية كمشروع سياسي واقتصادي واجتماعي تحرري. ونحن نسعى وراء ذلك منذ ست سنوات ولا نزال في بداية الطريق.
لماذا تعتبر صراعات السيادة الغذائية شائعة جدًا في مختلف البلدان في المنطقة التي تستهدفها الشبكة؟
هذا سؤال وجيه جدا، السبب في نظري يعود إلى حدة التعديات النيوليبرالية القاسية، فقد باتت المنطقة مشتل جني أرباح لرأس المال العالمي، ومن العادي أن تصعد مقاومة اجتماعية من أسفل لهذه الاستثمارات الرأسمالية المدمرة للبيئة والإنسان، بالاستيلاء على الأراضي وتشريد صغار الفلاحين- ات واستنزاف المياه والثروة البحرية. إن منطقتنا من أكثر مناطق العالم تخلفا وتأخرا وحتى تدميرا على المستوى السياسي والاقتصادي و الاجتماعي، حيث يوجد بها أكثر نسبة للبطالة الجماهيرية بالمقارنة مع باقي مناطق العالم، كذلك يعكس هذا الأمر المروع مدى جدية رأس المال العالمي والمحلي في السعي إلى جني الأرباح عبر استنزاف مطلق للموارد ( الماء و البذور و البحر…الخ ) واستغلال بشع للعمالة الزراعية والبحرية
كيف بدأ التشبيك حول قضية السيادة الغذائية في المنطقة، ما هي الجهات الفاعلة المشاركة؟
تتمثل هياكل الشبكة من سكرتارية إقليمية وتنسيقيات محلية وجمعية عمومية.
بعد التأسيس الفعلي للشبكة في مدينة أكادير بالمغرب سنة 2018، بدأت هياكل الشبكة تشتغل بصفة دورية لا سيما السكرتارية الإقليمية المكونة من ممثلين- ات عن كل البلدان الأعضاء في الشبكة. وتشرف السكرتارية الإقليمية على عمل الشبكة في كل بلد بالمنطقة، وتتابع عمل التنسيقيات المحلية حسب إمكانيات كل بلد وسياقه.
أما بالنسبة لهياكل الشبكة على المستوى القاعدي، فهي تتشكل من التنسيقيات المحلية في كل بلد الممثلة من النقابات والجمعيات الأعضاء. نراهن على أن تصبح التنسيقيات المحلية لشبكة سيادة منغرسة في نضالات صغار منتجي الغذاء، من أجل تنظيمها وتوحيدها وتسليحها بمشروع السيادة الغذائية كما صاغته حركة طريق الفلاحين – لافيا كمبيسنا – التي نتقاطع معها في مبادئ عدة.
أما بالنسبة للتشبيك، فقد بدأ التشبيك الفعلي لعمل الشبكة بعد إطلاق مبادرات ميدانية تضامنية وحملات مع نضالات صغار منتجي- ات الغذاء في منطقتنا، لا سيما مع العمال- ات الزراعيين- ات في المغرب وتونس. خلال سنوات 2019 و2020 كانت هناك نضالات مهمة للغاية في المنطقة، حاولنا قدر الامكان الانخراط فيها ونصرتها مثلا في تونس : نضال صغار الفلاحين في الهوايدية ضد مقلع الأحجار، وفي المغرب استمرت موجة نضالات العمال/ات الزراعيين حيث يجري طرد العمال/ات الذين ينخرطون ضمن أي عمل نقابي، أو يضربون من أجل دفاعهم على حقوقهم. قمنا بإطلاق مبادرات مساندة وحملات من جهتنا لهذه المعارك والتشهير بمحاربة العمل النقابي للعمال/ات الزراعيين بالضيعات الفلاحية الرأسمالية الكبرى. وكانت معركة العاملة الزراعية والنقابية عتيقة فيزازي مثال صارخ على ذلك.
إجمالا كانت هذه بدايات فتح باب التشبيك ونسج الصلات بين مختلف الفاعلين في المنطقة سواء أفراد أو منظمات.
بالنسبة للجهات الفاعلة ضمن شبكة سيادة، نحن اليوم نركز بشكل جلي عملنا على جانب التثقيف بقضايا السيادة الغذائية، من أجل بلورة بديل شعبي وفق الخصوصيات المحلية لمنطقتنا، لذلك نشتغل بوتيرة محترمة جدا على الجانب الدراسي، حيث نجري دارسات ميدانية وأبحاث لفهم المسألة الزراعية في بلداننا.
ونعتمد في ذلك على قدراتنا الذاتية وامكانياتنا المتواضعة، لاسيما في السياق الحالي الذي يضغط بشكل نسبي على المنظمات المنضوية تحت لواء الشبكة، التي تتدخل في النضالات الجارية في بلدان المنطقة ولانزال نراهن على منظماتنا ومناضلينا ومناضلاتنا في الاضطلاع بمهامهم لأنهم الفاعل الرئيسي في الشبكة.
ما هي آليات عمل الشبكة؟ كيف نجحت الشبكة في إدارة القواسم المشتركة والخصوصيات المحلية لشركائها؟
فيما يخص للآليات التنظيمية، يؤطرها الميثاق السياسي للشبكة، الذي يجري تحيينه والمصادقة عليه كل 3 سنوات. وتعبر أرضية الشبكة، التي تحيط بأفكارنا ومبادئنا، عن توجه الشبكة التقدمي. كذلك تعد الجمعية العمومية، التي تعقد مرة كل ثلاث سنوات، أعلى هيئة تقريرية، تصادق على العضويات الجديدة. وتبقى العضوية متاحة لكل المنظمات والحركات في المنطقة الناطقة بالعربية، شريطة الموافقة على الأرضية وميثاق التسيير.
أما آليات العمل من أجل مشروع السيادة الغذائية، فهي متعددة ومتنوعة نذكر منها على سبيل المثال:
ندوات إقليمية : نظمت الشبكة ندوة إقليمية بشراكة مع الجمعية التونسية للزراعة المستدامة سنة 2019 بتونس العاصمة.
شاركت فيها عدة منظمات من المنطقة وخارجها، وكانت فرصة مهمة للاطلاع على تجارب نضالات صغار الفلاحين/ان بالمنطقة مثل: فلسطين و المغرب ومصر وتونس، ومن أفريقيا جنوب الصحراء، حيث شارك معنا في هذه الندوة التحالف الإفريقي من أجل السيادة الغذائية ( AFSA)، الذي أصبحنا جزءا منه منذ سنة 2020. تفتح هذه الندوات باب التعاون النضالي بين المنظمات، وتبادل الزيارات الميدانية لنقل مختلف التجارب النضالية في كل بلد، من أجل التفكير الجماعي في بدائل شاملة على صعيد المنطقة.
مشاركات دولية : شاركت الشبكة في مخيم العدالة المناخية بتونس سنة 2022 ، وفي مخيم حمانة بلبنان 2023. كانت غاية هذه المشاركات كسب رهان تواجد الشبكة في المبادرات المهتمة بالبيئة والمناخ، والانخراط فيها وفتح نقاش مع المهتمين حول السيادة الغذائية وأوضاع صغار منتجي الغذاء، من خلال الورشات أو عرض الأفلام أو توزيع اصدارات الشبكة على نطاق واسع. كما تشارك الشبكة في مختلف الفعاليات النضالية في بلدان المنطقة مثلا : مهرجان البذور في تونس سنة 2021، وحفل كوليبري الذي نظمه المعهد الفرنسي في مدينة الدار البيضاء شهر مايو/أيار 2023. كذلك تُعزز الشبكة حضورها عبر المشاركات في الندوات الالكترونية التي ينظمها شركاؤنا في مختلف أنحاء العالم، منها مثلا: مشاركة الشبكة في الندوة التي نظمها الائتلاف من أجل السيادة الغذائية بأفريقيا، وندوة : من أجل اتفاق أخضر عالمي جديد لإصلاح أنظمتنا الغذائية المعطوبة. إننا نحاول ألا نفوت مثل هذه الفرص للانخراط في النقاشات بمنظوراتنا التقدمية حول المسألة الزراعية في المنطقة الناطقة بالعربية. وطبعا هي فرصة سانحة لبروز الشبكة والتعريف بها على صعيد عالمي، وهو ما تحقق اليوم بشكل مقبول نسبيا، إن نحن واصلنا العمل على نفس المنوال.
إصدارات أدبية وأفلام وثائقية: تتوفر شبكة سيادة على موقع الكتروني بثلاث لغات، يضم كل الاصدارات الأدبية والدراسات والأبحاث المنجزة خلال 6 سنوات. كما نسعى إلى توفير ترجمات مفيدة باللغة العربية، بشراكة مع منظمات وحركات أخرى. هذا فضلا علاوة على أننا نصدر حولية “مجلة سيادة“، ذات البعد الإقليمي، ويجري طبعها ورقيا في المغرب وتونس. وقد صدرت منها اربعة أعداد . كما ننتج أفلاما وثائقية تسلط الضوء على قضايا القاعدة الشعبية للسيادة الغذائية في منطقتنا (أنظر قناتنا على اليوتيوب )
تنظيم دورات تكونية: إنها أحد آليات اشتغال الشبكة الرئيسة على المستوى الاستراتيجي، فالمشاركة في الدورات التثقيفية والتكونية، أو تنظيمها، يعزز بشكل كبير قدرات فهم النقابيين/ات البحارة أو العمال/ات الزراعيين والمناضلين/ات والباحثين/ات في المسألة الزراعية، سواء بتنشيطهم للورشات أو المشاركة في النقاشات، حيث ساهم أعضاء/ات الشبكة في الدورات الثلاث لمدرسة التثقيف الشعبي. كما نظمت الشبكة دورة تكونية حول الاقتصاد السياسي الزراعي في المغرب سنة 2023 بالتعاون مع المعهد الدولي tni ومنتدى الحداثة والديمقراطية. شارك فيها غالبية الأعضاء/ العضوات على مدار أسبوع كامل. نحن مستمرون في هذا المنوال التكويني لمناضلينا ومنظماتنا، وسنبقى منفتحين على اشراك جمعيات ونقابات صديقة ضمن الدينامية التي تشهدها الشبكة في السنوات الأخيرة. هذه الفرص وجب استثمارها إلى أقصى حد من أجل توسيع قاعدة مشروع السيادة الشعبية، ولفهم أعمق لجذور الخيارات الاستراتيجية لدولنا في المسألة الزراعية وبالتالي طرح البدائل.
بالنسبة لإدارة القواسم المشتركة والخصوصيات المحلية، فكما أسلفتُ القول، للشبكة ميثاق وأرضية واستراتيجية نضال واضحة، هي ما يوحد منظورات عملنا السياسي ضمن مشروع السيادة الغذائية في كل المنطقة. وجدير بالذكر أن العمل المشترك والتعاون النضالي المحلي أو الاقليمي يعزز فرص إدارة القواسم المشتركة بين منظمات الشبكة، ويزيد من فرص تنسيق عملها وجهودها حسب سياق كل بلد.
ما هي الصعوبات التي واجهتها المنظمات المؤسسة للشبكة في إنشائها الشبكة والنجاحات التي عززتها على مر السنين؟
لا يخلو أي عمل جماعي من مصاعب، لا سيما في منطقتنا التي يمكن القول إنها من أشد المناطق في العالم صعوبة من حيث الاشتغال حول مختلف القضايا. فالأنظمة تعدم الحريات، وتحاصر النشطاء/ات والمنظمات التقدمية والمكافحة إجمالا. لكن مع ذلك، لا يعني هذا أن ليست هناك صعوبات ذاتية كثيرة، ليس أقلها ضعف تقاليد التعاون بين المنظمات رغم تبنيها لمشروع السيادة الغذائية. طبعا لهذا الأمر جذور تاريخية مرتبطة بوضع المنطقة السياسي، وثمة أيضا مسألة جوهرية، وهي حداثة مشروع السيادة الغذائية في المنطقة، حيث لم يجر الاهتمام به بشكل جدي سوى في السنوات الأخيرة، لاسيما في العقد الثاني من الألفية الثالثة. وهذا يعود إلى ضعف منظمات النضال محليا وتراجعها، وعجزها عن مواكبة حركات النضال على الصعيد العالمي، وحتى انغراسها فيها بشكل جدي بما يجعلها على إلمام واسع الأفق بالمستجدات ومتابعتها. لكن يمكن القول إننا نطمح اليوم إلى تجاوز هذه العقبات، حيث انطلقنا في تنسيق عمل الشبكة مع منظمات ومؤسسات وشبكات خارج منطقتنا، ما سيساعدنا على الانفتاح أكثر واستيعاب تجارب جديدة والاستفادة منها. علاوة على أننا نشتغل على ترجمة بعض الكتابات الأجنبية لنقل المعرفة إلى منطقتنا باللغة العربية وغيرها من المبادرات الأخرى.
أنا على أمل كبير وراسخ الإيمان بمشروع شبكة سيادة رغم الصعوبات التي تعترضنا اليوم في سياق الأزمة الرأسمالية متعددة الأوجه. و يبقى واجبنا أن نحضر أنفسنا: برنامجيا وتنظيميا للقادم من نضالات صغار المنتجين/ات. ويمكن اعتبار ما تحققه شبكة سيادة اليوم من عمل تثقيفي وتكويني وتضامني وتوسع تنظيمي… الخ، نجاحا نسبيا، مرده إلى عاملين أساسيين وهما: جدية تعاطي الشبكة مع قضايا صغار منتجي-ات الغذاء من منظور مناهض للرأسمالية. وطبعا ليست الشبكة وحدها من يقوم بهذا. وثانيا: انخراط مباشر لصغار منتجي-ات الغذاء في الشبكة ودعمها بحرارة من يناضلون على الأرض.